سياسةمقالات الرأي

هل تنجح الحكومة المرتقبة في إنقاذ الجنوب الليبي من براثن التهميش؟

موسى حسن تيهوساي /حرة بريس

طيلة الثماني سنوات الماضية كان الجنوب الليبي الحلقة الأضعف في المعادلة الليبية بكل أبعادها السياسية والتنموية والأمنية، كما حافظ على كونه مضرب الأمثال في وصف أدق مفردات المعاناة والبؤس الواقف على عتبة المسغبة.

هذه الصورة القاتمة ليست من نسيج خيال الروايات الأدبية التي تجسد تاريخ ما قبل الصناعة، ولا رواية “ناقة الله” التي أطلق فيها الروائي العالمي وابن الجنوب “إبراهيم الكوني” العنان لقلمه السيال في فنون الأدب ومجازات اللغة.

بل واقع يكتوي بناره مواطنون ليبيون يعيشون بصمت مطبق عشرات السنين بجانب ثاني أكبر حقول النفط في الشمال الأفريقي.

أين الخلل إذن؟ وما اللعنة التي حلت بهذا الجزء من ليبيا؟! لا بد أن نشير إلى المركزية الشديدة التي يتسم بها النظام في ليبيا على مر خمسة عقود.

مشكلة الجنوب ليست مشكلة وليدة الواقع الحالي الذي تعيشه ليبيا بعد ثورة فبراير، بل هي معضلة حقيقية ناتجة عن تخلف النظام الإداري في الدولة الليبية منذ أربعة عقود، وقد لاحظ عالم الجغرافية السياسية المصري جمال حمدان منذ سبعينات القرن العشرين في كتاب له عن الجغرافية السياسية الليبية، حيث اكتشف جمال في بحثٍ استراتيجي أن ليبيا تعاني من تخلف إداري جعل أغلب سكان ليببا في الشريط الساحلي الليبي الممتد من رأس اجدير “الحدود التونسية” إلى طبرق في أقصى الشرق الليبي، أي ما يعرف تاريخا بإقليم طرابلس وبرقة، بينما وصف فزان بالربع الخالي، أي أنها أكبر مساحة جغرافية في ليبيا مقارنة بسكانه

ولاحظ كذلك الفوارق الحادة في الخدمات الحكومية بين فزان وإقيلمي طرابلس وبرقة، رغم أن الصحراء الليبية ليست عبئا على الدولة؛ لما تتمتع به من ثروات هائلة من النفط والغاز والمعادن الأخرى.

ويعد ما ذكره جمال من فوارق حادة في قلة السكان والبنية التحتية ومستوى الاهتمام الحكومي بين القضاء الصحراوي الليبي والساحل المتوسطي الذي يضم برقة وطرابلس أوضح أوجه التخلف الإدارية وآثار النظام المركزي في ليببا، رغم ما يشكله الجنوب من عمق استراتيجي لليبيا، حيث بوابة ليبيا التي تربطها بإفريقيا وتشكل عمقها الإفريقي المهم.

ضف إلى ذلك مشاكل أخرى كانت من أهم العوامل التي أنهكت السكان والجغرافيا معا في الجنوب، وهي التوزيع غير العادل لثروات البلاد، بل وحرمان هذه الرقعة من أرض ليببا من التمثيل الحقيقي في الحكومات وأجهزة الدولة، لاسيما مراكز القرار والوزارات السيادية، حيث يستلزم أبسط مرض شد الرحال إلى خارج الجنوب؛ بحثا عن علاج أو أدوية.

أرجو أن لا يفهم من هذا أني أتكلم بشكل جهوي، لكن هذه حقيقة مؤلمة ومتجذرة في ليبيا، وتشبع بها عقل الحاكم الليبي، كما أن هذا أيضا لا يعني أن باقي الأقاليم تنافس اليابان في التطور الإداري والبنية التحتية والمؤسسات الحكومية الرشيدة.

بل إن مفهوم دولة المؤسسات لم يكن موجودا عمليا في ليبيا وحل محله نظام بني فولان.
والمؤسف والمحبط كذلك أن هذا النظام ومعياره العرفي ما زال ساري المفعول يصمد بكل شجاعة أمام التطور العلمي، والمعرفي، نتيجة استقوائه بحاضنة شعبية ومجتمعية تجاوزتها حركة التاريخ وتبدل المعطيات وعلقت ضمن معضلة التخلف الحضاري.

لكن في المقابل هناك أمر آخر لا يمكن تجاهله يتعلق بسكان الجنوب أنفسهم؛ لماذا ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا دائما عالة على الآخرين؟ ولماذا ينتظرون أن تأتيهم الجنة وهي طائعة ثم ينعمون بنعيمها دون مقابل، ودون حتى الحفاظ عليها كنعمة من الله؟ وهل يوجد في منطق العقل أن تختنق بدخان الآبار النفطية بينما تشتري لتر البنزين بأكثر من 3 دنانير؟!

وذلك المنظر والزحام الشديد على قوافل الأطباء حين تبادر مشكورة بالزيارة لإحدى قرى الجنوب الريفية التي تشبه قرى لم تكتشف في أدغال إفريقيا في القرن السابع عشر.

لماذا مسؤولو الجنوب لا يشكلون أية معادلة في السياسية أو طرف يفرض نفسه في منطق الغاب الذي تدار به الدولة والشعب؟

ثم لماذا لا يرفضهم من انتخبهم ويأتي بآخرين يتحملون مسؤولية ضمان حقوق من انتخبهم، هل يجوز أن ننتظر المجهول المعلوم؟ ألا يعلم سكان الجنوب أن لا أحد ينظر أو يهمه ذرف الدموع وإن كانت من معدوم مكلوم مظلوم ومهضوم الحقوق؟ ثم متى كانت الحقوق تعطى منة وهبة دون كد وشد وجهد واجتهاد؟!

*كاتب صحافي ليبي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube