مستجداتمقالات الرأي

سراب المشاركة السياسية

ذ. المصطفى القادري ـ لندن

عند إقتراب الإستحقاقات التشريعية بالمغرب، نلحظ استيقاظا لبعض الفاعلين من سباتهم العميق و تتكاثر البيانات و البلاغات هنا و هناك، مطالبة بإيجاد مخرج لملف المشاركة السياسية لمغاربة المهجر، تحقيقا لمطلب تاريخي عادل، إذ إستطاعت الدولة من خلال سياسة التسويف و المماطلة أن تحقق أرقاما قياسية في إنتاج أجود إبداعتها التي تتفنن دائما في مراوغة الملف و تجاوزه.
الفاعلون السياسيون الحزبيون، الذين عانقوا ماركات حزبية مغربية سواء عن إستحقاق و جدارة أو من خلال أساليب ملتوية لا مبرر أخلاقي لها سوى غاية في نفوس بعض سماسرة المهجر الذين يلمحون الفرصة الثمينة فيسيل اللعاب و تبرز المخالب في إستعداد تام للإنقضاض على المقعد والإلتحاق بنادي الريع العمومي حيث الحصانة و الإمتيازات التي تسمح بملأ مذكرة الهواتف بأرقام النافذين و أصحاب القرار.
هذا الإصرار الموسمي الذين يطفوا في الوقت الضائع، يستعصي فهمه على بقية المتتبعين حتى وإن حاولوا عن حسن نية وضعه في خانة النضال السياسي و الحقوقي النزيه، لأنه وبكل بساطة يغيب طيلة مرحلة السبات التي تلي الإنتخابات. في غياب تام لثقافة العمل المؤسساتي الذي يرتكز على ثقافة المراكمة في إطار عمل جماعي دؤوب و متواصل، ووفقا لأرضية فكرية متماسكة و أجندة أعمال مجدولة بإنتظام لتحقيق تقدم متواصل ولو بخطوات صغيرة.
العمل الجماعي يعيش أزمة خانقة منذ وقت طويل و الأسباب الذاتية و الموضوعية منها لا يمكن حصرها في مقال، بل يحتاج الأمر إلى إنكباب ثلة من الباحثين الأكادميين و الميدانيين منهم لتسليط الضوء على مجموع الظواهر الإجتماعية التي تقف وراء تقهقر دور النسيج الجماعي للمغتربين المغاربة في تأدية الدور المحوري المنوط به، و عجزهم عن بناء منصات مجتمعية تدفعهم نحو تحقيق الإرتقاء.
الأطر و الكفاءات التي إستطاعت أن تحقق ذواتها سواء في الحقل الأكاديمي أو العلمي أو في المجال المقاولاتي، بل حتى تلك التي تنتمي إلى الأجيال اللاحقة من أبناء المغتربين الذين تمكنوا من الإلتحاق بمؤسسات دول الإقامة سواء أفقيا أو عموديا عن طريق تحقيق الإندماج و الإستفادة من هامش إنفتاح هاته الدول على من تعتبرهم أبناءها و إحترامها لكفاءتهم و الإستفادة منها، حتى وإن أعتبر الهامش ضيقا جدا بلحاظ المآسي التي تعيشها شرائح أخرى سقطت ضحية للجريمة و الإنحراف كنتيجة منطقية لممارسات مؤسساتية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها إقصائية وفقا لعنصرية منهجية و منظمة متفق عليها كقانون صامت لم تكتب فصوله على ورق، لكنه رغم ذلك يبقى باديا للعين الملاحظة.
الأطر و الكفاءات تدرك أن ساحة العمل المدني المغربي بالمهجر غارقة في فوضى أريد لها أن تتعمق و تستمر بشكل ممنهج، يكوى كل ملتحق بها بنيران الصديق قبل العدو، فما الحاجة لتعريض النفس لمذلة التواصل مع مؤسسات الوطن الأم التي لا تقبل إلا عضوية الرعايا الأوفياء ؟ والذين من المفترض أن لا يصدر منهم سوى الطاعة العمياء و المبالغة في إظهار وطنية أقل ما يقال عنها أنها زائفة مرائية. و ما الحاجة إلى التموقع في صف المواطن؟ الذي بدوره لا يدخر جهدا في تبخيس و توجيه الإتهامات بالعمالة و اللصوصية لكل من سولت له نفسه أن يتطوع بسويعات من وقته الخاص أو من مجهوداته الشخصية أو حتى المادية في الكثير من الأحيان إيمانا بقضية أو مبدأ إنساني، في حين أن الغالبية العظمى من هؤلاء المغتربين لم يساهموا يوما في دعم إطار ما أو أداء واجب إنخراط أو التبرع بوقتهم أو بعضا من مالهم الخاص، لدعم نسيج يعاني من بيروقراطية المؤسسات و ألاعيبها التي تهدف إلى التحكم بقرار الإطارات.
الواقع يؤكد أن المغترب المغربي يتذكر جمعية ما فقط عندما يقع في مشكلة شخصية، أو حينما يعجز عن تحقيق بعض المكاسب نظرا لضعف إندماجه و قلة حيلته، لكن سرعان ما تراه قابعا في مقهى الحي يملأ وقت فراغه بلعبة الأوراق، موجها وابل غضبه على أهل السياسة و الجمعيات التي تسرق الدعم و تستفيد من البرامج دونما تقديم أي دليل يذكر حول اتهاماته، في جهل كامل لدور العمل المؤسساتي و طرق الإشتغال و القوانين المنظمة للمجال …إلخ.
كل التجارب تفيد بأن الجمعيات و الإطارات التي تولد لحل مشاكل فئة مجتمعية ما، ينتهي بها المطاف إلى الضعف الحتمي أو الزوال، ولنا خير مثال في نموذج جمعية المعطلين بالمغرب التي ضل يتناقص عدد منتميها، بالإضافة إلى تنكر المستفيدين ومغادرتهم للحركة المناضلة حال حصولهم على وضيفة، نفس الواقع تعرفه أغلب جمعيات المغتربين، لذلك يعتبر نشاطها سببا رئيسيا في ضعفها، و غياب ثقافة العمل الجماعي عنصرا أساسيا في الإكراهات التي تواجهها، فالمواطن الذي لا يستطيع ملء إستمارة مسطرية، حتما لن يستطيع فهم أهمية المشاركة السياسية.
إذا كان هذا حال المواطن العادي المفتقد للتكوين و التأطير، فإن حال المواطن المتعلم أنكى، حيث وبهدف التملص من مسؤوليته المواطنتية، تراه يشارك في تأجيج ثقافة التبخيس سواء لدواعي تبريرية محضة أو لأسباب إنتمائية إيديولوجية. فما هو المحفز إذن، الذي سيغري الكفاءات بالظهور في محيط موبوء كالذي وضفناه في هذه الأسطر؟ و كيف لا تستقيل الإطارات وسط شيوع ثقافة التبخيس المؤدى عنها، و عمليات إرهابية مدعومة من مؤسسات الدولة لنسف كل عمل ممنهج و مؤسساتي؟ و هل سيستقيم وضع المغاربة بالمهجر عندما تشيع ثقافة الأنارشية القاتلة التي تنتقد من أجل الهدم، و لا تساهم في تقديم أي حل أو مقترح؟ بل نتصور أنها ستعود بالضرر على داعميها من داخل المكاتب الديبلوماسية.
فعن أي مشاركة سياسية نتحدث و الشروط غير مكتملة، و الدولة غير مهتمة، و الأحزاب السياسية تمارس تجارة بيع شعاراتها لمن يدفع أكثر، في سوق بورصة مكاتب التمثيل و هم يعلمون أنهم لا يملكون حق العمل فوق تراب دول أجنبية و لا يملكون الضوء الأخضر من دولة المغرب لتأطير المغتربين المغاربة؟ أم أنها فقط لعبة البعض لتحقيق مآربهم الضيقة؟
لا مناص من العودة إلى حضن العمل الجماعي، المؤسساتي، المنظم، الطبيعي و المهيكل و المتواصل، العمل الذي لا تحكمه شعبوية مرحلية أو مناسبية عابرة أو مزاجية فردانية مهما علا موقعا في دواليب القرار، لأن الأمر مرتبط هنا بمستقبل و إنتظارات و طن.
لا داعي للتذكير أننا نجر خيبات أخطاء قاتلة، أتحدث هنا عن أولئك الذين فرطوا يوما في مواقع القوة التنظيمية بالخارج مقابل مواقع سياسية، إستعملتها الدولة للأسف لضمان تأبيد ضعف أي حركة مجتمعية بالخارج، في مقاربة أمنية ضيقة الصدر لا تنظر إلى الواقع العام إلا من خلال ما يضمن لها الإستمرارية في الزمن، فإن كانت هذه هي الإرادة الحقيقية للدولة؟ فهل للمشاركة السياسية من جدوى؟ ولكم واسع النظر.

إقرأ المزيد حول الموضوع
إقرأ مقال لنفس الكاتب حول الموضوع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube