حيمري البشير

فلسطين في قلب كل عربي ومسلم

ليس من السهل أن تكتب كفلسطيني عن العرب دون أن تُتهم. فالموضوعان محمّلان بتاريخ من الألم، ومن الشعارات، ومن التوظيف السياسي الذي يجعل كل محاولة للفهم تُقرأ كخيانة، وكل تفكيك يُفهم كتبرير، وكل اختلاف يُختزل في مصلحة شخصية.

وصلني مؤخراً ردٌ غاضب من مثقف وأديب عربي على مقال كتبته، لا يناقش الفكرة، بل يهاجم النية. يقول صاحبه: “نحن البلد العربي الوحيد الذي ظل دوما إلى جانب فلسطين والفلسطينيين في مأساتهم المتواصلة “. وبعد عدة جولات من المراسلات تضمنت هجوماً منه بنبرة عكست موقفاً انفعالياً أكثر من كونه نقداً موضوعياً. وردود من جانبي كان هدفها تأكيد موقفي، احترام الحوار، وتوضيح منهجي الأكاديمي بصورة متزنة، قوية، وراقية، دون الانجرار إلى الاستفزاز أو رد الفعل العاطفي. وأخيراً أغلق أديبنا الباب: “هذا ردي الأخير”. لا حجة، لا تفنيد، لا مساءلة. فقط حكم، ثم انسحاب.

لكنني لا أكتب لأقنع هذا النوع من القرّاء. أكتب لأدافع عن حق التفكير خارج القطيع، وعن حق المثقف في أن يُعيد ترتيب الأسئلة، لا أن يُردد الإجابات.

من يملك سردية الدعم؟ تفكيك خطاب “نحن فقط من دعمنا فلسطين

الفلسفة لا تُدين النوايا، بل تُفكك الخطاب. في كتابه “اللامنتمي”، يقول كولن ويلسون إن المثقف الحقيقي هو من يختار العزلة الفكرية على أن يكون جزءًا من جماعة تُفكر له. وفي “ما الفلسفة؟”، يؤكد دولوز أن الفيلسوف لا يُعطي أجوبة، بل يُنتج مفاهيم.

أنا لا أبرّر لأي جهة، بل أُنتج مفاهيم جديدة لفهم علاقة العرب بفلسطين خارج ثنائية “الولاء أو الخيانة”. أُعيد قراءة التاريخ لا لأدافع عن أحد، بل لأكشف كيف يُستخدم التاريخ نفسه كأداة إلغاء.

التاريخ لا يُقرأ بالعاطفة. حين نُراجع علاقة العرب بفلسطين، لا يمكن أن نغفل عن تعقيدات الجغرافيا السياسية، ولا عن التحولات التي طرأت على مفهوم “القضية” نفسها. من مؤتمر الرباط 1974 إلى اتفاقيات أوسلو، ومن دعم المقاومة إلى التطبيع، كل مرحلة تحمل تناقضاتها، ولا يمكن اختزالها في موقف واحد. في التاريخ، لا توجد براءة مطلقة، ولا خيانة مطلقة. توجد مصالح، وسياقات، وتحولات. والمثقف لا يُدين، بل يُفسّر.

إذن لماذا يُرفض التعقيد في الخطاب العربي؟

لأننا نُحب الوضوح، حتى لو كان زائفاً. نُفضل أن نقول “كل من يكتب عن فلسطين يجب أن يكون معنا”، لا أن نسأل: “ما الذي تغيّر؟ وما الذي يجب أن نُعيد التفكير فيه؟”

الرفض الذي واجهته ليس رفضاً للمقال، بل رفض لفكرة أن المقال يمكن أن يُكتب أصلاً. إنه رفض لحق التفكير، وحق التفكيك، وحق المثقف في أن يكون خارج الاصطفاف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID