كلمات .. في”المانغانطيس” بين الأمس واليوم
– *قيلت في حكومة العراقي .. فماذا تراه الوصف الملائم لحكومة أخنوش ؟!*
أحمد ويحمان ×
يعيش المغرب اليوم نقاشًا ساخنًا حول فضائح رئيس الحكومة عزيز أخنوش، التي أصبحت مادة للنقاش في البرلمان والإعلام. ويظهر أخنوش مدافعًا عن تضارب المصالح (Conflit d’intérêts) دون خجل أو محاولة لتبرير مواقفه، بل بكل ثقة ! ينافح أمام كاميرات التلفزيون، وفي النقل المباشر، وكأن الأمر لا يستوجب مساءلة أو محاسبة.
هذا المشهد يعيد إلى الأذهان مطلع التسعينيات حين وصف القائد النقابي الراحل محمد نوبير الأموي حكومة عز الدين العراقي بـ”المانغانطيس”، في إشارة ساخرة إلى ممارساتها الفاسدة. كان ذلك الوصف البسيط، الذي ورد على لسان الزعيم النقابي في حوار له مع جريدة الپاييس الإسبانية، كفيلًا بإطلاق زلزال سياسي واجتماعي في البلاد، ليجد الأموي نفسه خلف القضبان في محاكمة أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا.
*محاكمة الأموي .. حالة طوارئ من أقصى المغرب إلى أقصاه* في التسعينيات، كانت محاكمة الأموي حدثًا استثنائيًا . لم يكن مجرد قضية جنائية، بل معركة سياسية واجتماعية. عاشت البلاد، في سياقها، على وقع حالة طوارئ غير معلنة، شملت استنفارًا أمنيًا واسعًا ووقفات تضامنية عارمة جابت المدن المغربية، من شمالها إلى جنوبها. وما زاد المحاكمة أهمية، هو التجنيد الشعبي والمهني للدفاع عن الأموي، حيث انبرى أكثر من ألف محامٍ للدفاع عن الزعيم النقابي، في مشهد نادر يعكس حجم التعاطف معه ورفض الشعب لممارسات السلطة. وفي المقابل، لم تجد الحكومة، وبشق الانفس، إلا محاميًا واحدًا لتوكيله في القضية، وهو محمد زيان، الذي، ويا لسخرية القدر، يجد نفسه، فك الله أسره، اليوم خلف القضبان، ضحية لما يصفه هو بفساد النظام نفسه الذي دافع عنه، وحيدا، ذات يوم ! كانت المحاكمة تعبيرًا عن صراع شرس بين إرادة التغيير والإصلاح من جهة، ورغبة النظام في تكريس سلطته واستبداده من جهة أخرى. لكنها أيضًا أكدت التفاف المجتمع حول رموزه النضالية، في مواجهة الفساد والاستغلال.
*زمن أخنوش .. حين يصبح الفساد مشهدًا علنيًا* إذا كان الصراع في عهد الأموي يدور حول كشف الفساد ومحاولة مساءلة السلطة، فإن زمن أخنوش يبدو مختلفًا تمامًا. لم تعد الممارسات الفاسدة تُخفى أو تُوارى، بل باتت تُعرض على رؤوس الأشهاد، وسط غياب أي إرادة حقيقية للمحاسبة.تُتهم حكومة أخنوش بتضارب المصالح واستغلال المال العام، بينما تعاني الطبقات الشعبية من غلاء المعيشة وتردي الخدمات. المفارقة تكمن في أن هذه التجاوزات تُعرض علنًا، وكأنها جزء من المشهد السياسي “الطبيعي”، ما يعكس مستوى غير مسبوق من التطبيع مع الفساد. *ومضة مقارنة بين المرحلتين*
1. الوعي الشعبي والاستعداد للتضحية : في التسعينيات، كان الشارع المغربي ينبض بالتضامن مع رموز النضال، كما حدث مع الأموي، حيث خرجت مسيرات عفوية ونظمت وقفات رغم القمع في أكثر من مدينة، وحوصرت العاصمة الرباط حيث كانت تجري المحاكمة وأقيمت الحواجز الأمنية في كل المسارات المؤدية إلى مبنى المحكمة . وما أزال أتذكر احد الحواجز في شارع مدغشقر، حيث تم إيقاف الأموي نفسه، وهو ” صاحب هذا العرس ” ليمرر ضابط القوات المساعدة كل الرسائل التي كلف بها وكنا كمرافقين له إلى المحكمة؛ الأستاذ المرحوم محمد صبري كمحام له وكاتب السطور كصحفي وصديق “من المقربين” ممنوعين من المرور لمدة من “المفاوضات” ! وعلى بعد أمتار منا كان ” مقرب ” آخر بزقاق القاضي عياض المتفرع عن مدغشقر ” يأكل ” مما قسم الله من هراوة رجال الشرطة المتورين بحماوة التعليمات المحمومة؛ إنه الشاعر والصحفي حسن نجمي الذي سقطت إلى جانبه الشاعرة الطليعية حكيمة الشاوي التي ” فتحوا رأسها بضربة أسقطتها أرضا تتضرج في دمائها … هي قصص كثيرة لا تنسى في ذلك الزخم النضالي الذي دفع السلطات إلى إنزال دبابات في بعض الأركان تحسبا لأي اهتزاز .. إنها استحقاقات الكرامة والعدالة كواجب من باب السماء فوقنا عند كل المناضلات والمناضلين .. وعند عموم الشعب الذي يحتضن ويلتحم مع من يمثل نبضه ويعبر، حقيقة عن آماله وآلامه .. أما اليوم، فيبدو أن الإحباط الجماعي قد خيم على الشعب، نتيجة هيمنة المال على السياسة وقمع الأصوات المعارضة وتمكن السلطة من تفكيك وتمييع المشهد السياسي والنقابي بشكل لم يعد قابضا على جمر المسؤولية إلا ” من رحم ربك “
.2. تعاطي السلطة : في عهد العراقي، كانت السلطة تحاول التستر على ممارساتها الفاسدة، بينما تُظهر حكومة أخنوش جرأة على الدفاع عن فسادها علنًا، دون أي خوف من المحاسبة
.3. المحاسبة: محاكمة الأموي كانت محاولة من السلطة للحفاظ على هيبتها، حتى لو بتكريس الظلم. أما اليوم، فإن غياب المحاسبة يعكس انعدام الخوف من الشعب أو مؤسساته وعدم إقامة أي اعتبار له ولها .
*ماذا لو امتد عمر الأموي؟
* ترى، لو امتد العمر بالراحل محمد نوبير الأموي الذي وصف حكومة عز الدين العراقي بـ”المانغانطيس”، ماذا كان سيقول عن رئيس حكومة لا يكتفي بالإقرار بفساده، بل يدافع عنه وعلى رؤوس الأشهاد؟ ما الوصف الذي كان سيختاره الأموي لحكومة أخنوش؟ *خلاصة القول* بين عهد عز الدين العراقي ومحاكمة الأموي التي جسدت صراعًا شرسًا بين النضال الشعبي والسلطة، وعهد عزيز أخنوش الذي يمثل تغول المال وتطبيع الفساد، يبدو أن المغرب انتقل من زمن “المانغانطيس” إلى واقع أشد مرارة.
*آخر الكلام* إن استعادة روح النضال والمساءلة ليست مجرد خيار، بل ضرورة وطنية، لإنقاذ البلاد من هيمنة وتغول رأس المال وصون حقوق الشعب وكرامته في وجه سلطة لا تخشى الفساد، بل تدافع عنه بكل جرأة .. أو إذا أردنا أن نسمي القط قطا نقول بكل وقاحة ! .
ولله عاقبة الأمور !———————×
باحث في علم الاجتماع السياسي .. مهتم بقضايا الحكامة و الفساد