مراد العمراني الزكاري

الإمبراطورية الكونية الجزء الثاني

مراد العمراني الزكاري استاذ محاضر بالمركز الاوروبي للاعلام ومحلل جيوسياسي

وإن بدت هذه المنظمة وكأنها امتداد طبيعي لقوانين اتفاقية الجات العالمية، المنظمة لحرية التجارة العالمية، فإنه وفي حقيقة الأمر، تم صياغة برامج هذه المنظمة، بغرض فرض قوانين تجبر حكومات العالم، لا على الانصياع إلى قوانين السوق الحرة فحسب، إذ فرضت على هذه الحكومات  إطلاق الحريات الثقافية؛ أي حرية الإنسان في أي مكانٍ من العالم، أن يحدد لون وشكل الثقافة التي يمارسها ويقتنع بها، بدون رقابةٍ أو محظورات أو ضوابط حكومية عليه، ويمكن القول أن منظمة التجارة العالمية في ثوبها هذا، كانت امتدادًا طبيعيًّا، أو إعادة استنساخٍ لرواية الحرب الباردة الثقافية مع الكتلة الشيوعية.

هذه المرة اللعبة تختلف، فالمستهدف كان شعوب العالم بأسره، الأمر جعل دولة عريقة مثل فرنسا تتحفظ على هذا الجانب داخل المنظمة، حفاظًا على الشخصية الفرنسية من الذوبان والتحلل في الثقافة الأمريكية، مثلما حدث مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تمزقت بين حكومتي احتلال؛ الأولى هي الاتحاد السوفيتي في ألمانيا الشرقية، والثانية كانت الولايات المتحدة الأمريكية في ألمانيا الغربية.. آنذاك تحولت الأراضي الألمانية إلى مسرح عمليات تسدد فيه كلا الحكومتين ضرباتها على الجبهات الثقافية، من أجل فرض الهيمنة والنفوذ، إلى أن ذاب الشعب الألماني في الثقافة الأمريكية، ومن بعده العديد من شعوب دول العالم، حتى كانت الهيمنة الثقافية الأمريكية على عالمٍ أحادي القطبية.

إذًا بعد انهيار جدار برلين وسقوط الشيوعية، بدأت واشنطن في إعادة ترتيب العالم بمفهوم نموذج الكونية، وبسيطرة التوتاليتارية الأمريكية على جميع مناحي الحياة على كوكب الأرض (عسكريًّا – سياسيًّا – اقتصاديًّا – ثقافيًّا) تحت راية العولمة.

وعكفت مراكز أوعية الفكر، وأقلام الفلاسفة من اليمين المتطرف التابع للكوربوقراطية، على تقديم الجانب الفلسفي للهيمنة في اتجاهاتها السياسية والاقتصادية والثقافية، إلى إدارات البيت الأبيض المتعاقبة، كما عكف المحافظون الجدد على تقديم مشروع القرن الأمريكي، الذي يضمن للولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة العسكرية لقرنٍ جديد.. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube