حزبيات مغربيةمستجدات

ردا على حوار محمد الساسي مع جريدة “الأيام”: السجال و القفز على الوقائع و قلب الحقائق لن يشكل أساسا لبناء وحدة اليسار

مصطفى بنصباحية

قد تصاب بخيبة أمل و نت تطالع تدوينات و تصريحات و استجوابات من يعتقدون أنفسهم قيادات لليسار. و تتساءل: هل بهذا المنطق السجالي المبني على ثنائية الأنا المالكة للحقيقة، والأخر الخاطئ، يمكن الإجابة على إشكالية تعثر اليسار في بناء الأداة التنظيمية القادرة فعلا على خلخلة ميزان القوى لفائدة التحول في اتجاه تجاوز بنيات الفساد و الاستبداد و التأسيس للدولة الديمقراطية الضامنة للسيادة الشعبية؟ هل مع عقلية من قضى أزيد من 15 سنة في محاولة البناء المشترك لهذه الأداة ولا زال يميز بين أهل البيت والوافدين؟ و هل يعتبر البحث في مواقع التواصل الاجتماعي على ما دونه فلان في سياق ما وما قالته فلانة في سياق ما أيضا عن شذرات لتبرير مواقف وقرارات تخص مواضيع من قبيل وحدة اليسار و الادعاء أن هناك من مع هذه الوحدة و هناك من هو ضدها ؟ و هل بمنطق الانتقاء و القفز على الواقع و قلب الحقائق يمكن الإجابة على الإشكالات الحقيقية لتعثر مسار توحيد اليسار؟ وهل يقتصر الهدف من هذا التوحيد على مجرد التقدم بشكل مشترك للانتخابات المتحكم في نتائجها والتي ليست سوى واجهة من واجهات النضال اليساري كما تنص على ذلك المقررات و المرجعيات التي ما فتئنا ترددها في كل مرة و حين ؟
كل هذا السيل من الأسئلة يلاحقك وأنت تتصفح الاستجواب الذي خص به السي محمد الساسي صحيفة “الأيام”.
فحين يعتبر أن سحب التصريح المشترك القاضي بالدخول للانتخابات كفيدرالية بمثابة النقطة المركزية لاستمرار مسلسل التوحيد من عدمه دون توضيح حتى الحيثيات التي قادت إلى هذا السحب ودون تبيان المواقف المعبر عنها و الاجراءات العملية المتسرعة لباقي مكونات الفيدرالية التي رفضت وضع التصريح بشكل مشترك على مرحلتين، و سارعت إلى إعلان التحالف الانتخابي الثنائي، فإن الحديث عن محاولة تجميع اليسار التي انطلقت منذ التسعينات ولقاء بوزنيقة سنة 2000 مرورا بسنوات 2002 و 2005 و 2007 و 2014 والتي كان جدول أعمالها يتمثل في الجواب على بناء الأداة السياسية اليسارية المتشبثة بخط النضال الديمقراطي الجدري القادر على إنجاز مهام التحول التاريخي في اتجاه الحداثة و الديمقراطية و دولة المؤسسات والمواطنة الحقة، ولم يكن هدفها مجرد بناء تحالف انتخابي لملء فراغ التجارب السابقة التي حولتها الانتخابات و المشاركات الحكومية إلى شبه أحزاب إدارية فاقدة لاستقلالية القرار السياسي والتنظيمي.
إنانخراطنا في مسلسل التجميع وتوحيد قوى اليسار الراديكالي كان من هذا المنطلق و قرارات مؤتمراتنا و مجالسنا الوطنية شكلت خلفية لهذا البناء. الذي تحول لأسباب غير واضحة إلى الضغط بقرارات يراد لها أن تكون فوق حزبية مستمدة من هياكل لم نتفق في أي مؤسسة حزبية على تمكينها من صلاحيات التقرير في الاندماج و بجدولة زمنية متفق عليها خارج مؤسسات الحزب، لاندماج فوقي بدون عناوين فكرية سياسية و تنظيمية، ولا يأخذ بعين الاعتبار حتى بالواقع التنظيمي للهياكل القاعدية لمكونات الفيدرالية الغارقة في التنافر والتطاحن والصراع على المواقع هنا و هناك.
أما الحديث عن تعطيل اجتماع المجلس الوطني فباستثناء اجتماع واحد و وحيد قدم فيه الرفيق محمد الساسي عذر حراسة الامتحانات فما السر في غياباته عن اجتماع السكرتارية واجتماعاتها مع المكتب السياسي منذ شهر فبراير الماضي لتحديد موعد المجلس الوطني؟ ولماذا كانت الرفيقة فاطمة الزهراء الشافعي تطلب تأخير تحديد تاريخ انعقاد هذا المجلس إلى حين حضوره؟ و لماذا انسحب في آخر اجماع للسكرتارية و المكتب السياسي لتحديد موعد انعقاد المجلس الوطني المنعقد خلال شهر رمضان رفقة أتباعه لما تم رفض الصيغة القاضية بالاتفاق بين الأعضاء الحاضرين على أن تضم مخرجات المجلسى الوطني الدعوة إلى تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الاندماج مباشرة بعد الانتخابات و تحديد سقف سنة لانعقاده ضدا على صلاحيات هذا المجلس؟
والسؤال المحير في كل هذا ما الخلفية وراء كل هذا والمجلس الوطني لسنة 2019 الذي دبج الرفيق محمد الساسي خلاصاته بأمانة قد قرر تأجيل موضوع الاندماج إلى ما بعد الانتخابات؟
فقراءة كل هذه الوقائع تؤكد التخوف من مآل انعقاد المجلس الوطني لدى الرفيق محمد السياسي بالرغم من الايحاء لبعض أتباعه بالمطالبة بعقد هذا المجلس عبر صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالحزب و اتهام نبيلة منيب بتعطيل هذا الانعقاد، تبرز أننا كنا أمام سيناريو معد سلفا هدفه خلق تقاطب داخل الاشتراكي الموحد بعد فشل كل محاولات تطويعه و تذويبه داخل كيان هلامي يفترى على تسميته بالحزب الاشتراكي الكبير، لتشكل محصلة هذا السيناريو الإعلان عن تيار أخر لحظة و الذي لم يعترض أي أحد على برمجته كنقطة في جدول أعمال المجلس الوطني في اجتماع السكرتارية و المكتب السياسي الذي غاب عنه الساسي و حضره الرفيق محمد حفيظ و الرفيقة فاطمة الزهراء الشافعي بتاريخ 21 يونيو 2021 أي 10 أيام قبل بدء مسلسل الانسحابات، هذا التيار الذي لم يكن الهدف منه خلق تيار داخل الاشتراكي الموحد بل شكل آلية تكتل للانسحاب من الحزب و التفاوض مع المؤتمر و الطليعة لضمان المواقع المرغوب فيها في الاندماج المحتمل اللاحق. فمن الذي جعل من خلق هذا التيار مسألة غير تنظيمية عادية؟ و ما مبرر كل الكلام الذي لا معنى له حول خلق التيار من أجل خلق أغلبية داخل الاشتراكي الموحد للدفاع عن الاندماج في الوقت الذي تعبر الوقائع أنه خلق للانشقاق عن الحزب.
الخلاف الجوهري داخل الاشتراكي الموحد و الذي للأسف افتقدت الجرأة لطرحه و التداول حوله و يتم تغييبه و الاستشهاد بجزئيات من قبيل ما دونه هذا الرفيق و ما تقوم به الامينة العامة و أغلبية المكتب السياسي في تدبير الشأن الحزبي ليس فقط استنادا إلى مقررات المؤتمر و توجيهات و قرارات المجلس الوطني بل بالعمل أيضا على متابعة التطورات و المستجدات السياسية و اتخاذ المواقف و المبادرات اللازمة سياسيا و تنظيميا حسب المادة 65 من النظام الداخلي التي اقتطع منها الرفيق الساسي ما يلائم قوله. قلت الخلاف الجوهري يتمثل في ماهية الاندماج. بمعنى على أي أسس فكرية و سياسية و تنظيمية سيبنى هذا الاندماج و ما هي منهجية بنائه؟ بين من يرى أن كل شيئ جاهز و ما علينا سوى تحديد موعد هذا الاندماج بين مكونات الفيدرالية انطلاقا من تصور فوقي يدمج المؤتمرات الاخيرة للتصفيق و المصادقة على وثائق لا زالت في علم الغيب لذى كافة أعضاء الحزب و دمج المجالس الوطنية بالسماح للمؤتمر و الطليعة بإضافة أعداد من مناضليهم ليتساوى عدد مجالسهم الوطنية مع عدد أعضاء المجلس الوطني للاشتراكي الموحد و دمج المكاتب السياسية ، و بين من يرى ضرورة التقعيد لهذا الاندماج على الأقل في الحدود الدنيا التي عبرت عنها أرضية أغلبية المؤتمر فيما عنونته بالعرض السياسي الجديد الذي أكد على جعل محطة الاندماج ليس فقط تجميع مكونات الفيدرالية بل لحظة سياسية لانخراط كافة اليساريات و اليساريين الراغبين في التغيير الحقيقي في هذا المشروع بالمشاركة في بناء أسسه المتمثلة حسب هذه الأرضية نفسها في المرجعية و الخط السياسي و الفلسفة التنظيمية و أيضا المساهمة في بناء هياكل هذا الاندماج وفق التصور الذي سيتم الاتفاق عليه و الذي ليس بالضرورة تصورا فوقيا. و عوض فتح نقاش رفاقي داخل الاشتراكي الموحد لصياغة القرار المؤسساتي المناسب لجأ متزعمي تيار آخر لحظة إلى الاتصالات الهاتفية مع من يعتقدون أنهم يتحكمون في القرار الحزبي وفق ثقافتهم التنظيمية، و أيضا محاولة الضغط على منيب ضنا منهم أن خضوعها لما يريدونه سيفي بالغرض و قد استعملت في هذا الضغط كل الوسائل المعلومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي و المواقع الالكترونية و مراسلة رئيس الحكومة إضافة إلى محاولة التوظيف السيئ لرمزية الرفيق المجاهد محمد بنسعيد. و بعد فشل كل هذه المحاولات بدأ تنفيذ الخطة ب و المتمثلة في تهريب النقاش إلى هياكل الفيدرالية و الادعاء أن قراراتها تسموا على قرارات هياكل الحزب،في خطوة غير شرعية تمس باستقلالية القرار السياسي و التنظيمي للحزب كما تنص على ذلك قوانين الفيدرالية نفسها ( المادة السادسة ). هذه المادة التي لا تخول لهيئات الفيدرالية الخوض في موضوع الاندماج فبالأحرى أن تقرر في كيفية بنائه و تفرض هذه الكيفية على الهيئات التقريرية لمكونات الفيدرالية بصيغة التصويت عليها إما بنعم أو لا استلهاما لقاعدة الكل أو لا شيء. (tout ou rien ). و قد تمظهرت هذه الخطة في إنكار الولاء للحزب عند البعض و تغييره بالولاء لحزب أسمه الفيدرالية قبل موعد الاندماج أي اندمجوا قبل إقامة الحدث التاريخي لوحدة اليسار كما نظروا له. و جاءت مرحلة التهييء للانتخابات لتبرز بما لا يدع مجال للشك أن رفاقنا المندمجين ينسقون مع الحليفين لسد الطريق على ترشيح رفاقهم الذين يختلفون معهم في الرأي. و اتضح ذلك في خطوة استباقية لمنع الرفيقة نبيلة منيب قبل الاعلان عن نيتها في الترشح، في قيادة اللائحة الجهوية بجهة البيضاء- سطات بدعوى أنها ريع انتخابي و ترشيح مناضلة من المؤتمر الاتحادي. انطلاقا من منطق بئيس يتعارض مع الموقف المبدئي من الريع و القاضي بمقاطعته و ليس باختيار من يستفيد منه.
أما الحديث عن محاولة خلق حمية حزبية بدعوى أن الحزب مستهدف من الداخل و بالتالي لا اندماج و لا مؤتمر قبل تصفية فلول المؤامرة و القضاء عليهم.فإنه مجرد كلام لا أساس مؤسساتي له، فالاندماج بينا أوجه الخلاف حوله سالفا و كان المنطق السليم يفرض مناقشته و الدفاع عن الرأي القائل به هنا و الآن لإقناع الرأي العام الحزبي و الرأي العام الوطني بصحته. أما المؤتمر فلا أحد عارض انعقاده. أما الحديث عن الخلافات في صفوف أغلبية المؤتمر الرابع فقد برزت قبل انعقاد المؤتمر و تمظهرت بوضوح إبان انعقاده و قد نعتناها بصريحة العبارة في أرضية اليسار المواطن و المناصفة بالأغلبية المفككة و لا داعي لتذكير الرفيق الساسي بسحب توقيعات تيار معين من أرضية الأغلبية عشية انعقاد المؤتمر و من هي أطراف الخلاف آنذاك.
بغض النظر عن السجال سيحكم التاريخ على من يحاول بناء الأداة اليسارية المعتنقة لهموم و قضايا الجماهير الشعبية و المناضلة حقا من أجل تجاوز المأزق التاريخي المعيق لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة و من ينخرط في أجندات أخرى و الايام بيننا على حد تعبير عبد الباري عطوان.
بنسليمان في 24 / 7 /

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube