ثقافة وفنونمقالات الرأي

شربل داغر : الفن و الشرق.

الملكية و المعنى في التداول. 2 – الفن الإسلامي.  

 حرة بريس  – بقلم الأستاذ أحمد الونزاني

تعالج الفصول المتبقية دورة الفن الإسلامي في بابين : واحدة للملكية و الأخرى للمعنى. كما يعالج قيمة العمل الفني الإسلامي في ثلاث محطات : إعادة إنتاج العمل الفني و تناقل العمل الفني و عملية حفظ هذا العمل الفني.

و إذا كانت عمليةاعادة  إنتاج العمل الفني تبدأ أولا بالتنقيب على المادة ثم اقتطاعها من سياقاتها أو بيءتها الشرقية تحديدا و جلبها إلى بيئتها الجديدة و هنا نتحدث عن البيئة الفرنسية و ما تتطلبه عملية الجلب من شراء أو اكتشاف أو مصادرة حتى. و هذا الاقتطاع أو البتر للمادة غالبا ما يخضع لحسابات الجالب أو المنقب حسب خلفيته في التمييز و التقدير ثقافية أو فنية أو جمالية لديه.

و هذه العمليات تخلق نوعا من علاقة جديدة في ما بين المادة  نفسها و بيئتها الأصلية و بين توظيفاتها في بيئتها الجديدة بعد الجلب مما يجعل هذه المادة قابلة للتداول وفق شروط و محددات الجالب. و هذا ما اصطلح عليه بالاقتطاع من السياق أي جعل العمل الفني يندرج تحت سياق مادي و ثقافي و قيمي و مالي مغاير لما كان عليه في بيءته الشرقية.

و كل هذه العمليات ستجعل من هذا العمل الفني الإسلامي ينتقل من بيءته إلى فرنسا من دون التحقق من الملكية الحقيقية لجل هذه الأعمال و المواد و القطع الفنية. و كل هذا راجع إلى ظروف و تاريخ الاقتناء و الذي تم جله في القرن التاسع عشر و القرن العشرين و هذه مرحلة التغول الاستعماري و لا توجد كتب تشير بشكل صريح إلى مصادر تحدد  ملكية مواد الفن الإسلامي سواء في فرنسا أو غيرها من الدول . مما يطرح السؤال عن كيفية تجميع و شراء هذه المقتنيات الفنية . و هذا ما جاء في كتاب : اكتشاف الفن الإسلامي. و الذي تناول مسألة الملكية من دون الوقوف على اطوارها أو ظروفها أو الشروط التي تحددت بها. و يقتصر الكتاب على تجميع أخبار بعض المقتنيات الفنية التي تم جمعها أو شراءها دون التحقق من مصادرها الأصلية مما جعل هذه الأعمال الفنية لا تمتلك وجودا خاصا بها . بل أصبحت لصيقة بإسم مالكها الجديد مثل أي سلعة لا غير.

و هذا ما أكده أحد النقاد عن معرض شرقي في عام 1869 بباريس  (A. Jacquemart ): لا يتم الكلام عن المواد المعروضة إلا منسوبة إلى أسماء مالكيها ما يشير إلى مسألة أخرى غير الملكية و هي أن الأعمال الفنية لا تملك بعد وجودا خاصا بها. بل هي لصيقة اسم مالكها مثل أي سلعة مملوكة و مخصوصة بالتالي.

كما ان المقالات النقدية التي كانت تغطي المعارض الفنية قامت بالتعريف عن أصول و مصادر هذه المواد الفنية و مالكيها الجدد. مما أدى إلى إيجاد كتب متخصصة عبارة عن دليل خاص للتعريف بالمجموعات الفنية عند عرضها في المتاحف أو في المزادات العلنية لبيعها .و من أهم هذه الكتب المخصصة للمجموعات (مجموعة الكونت دو بلاكاس 1822 الذي وضعه المستشرق رينو ).و من هنا ظهرت المجموعات التي وضعت كتب مخصصة عن المجموعات الإسلامية في اللوفر أو غيره من المتاحف الفرنسية.

إلا أن استعراض هذه المواد الفنية الإسلامية في معظم هذه المعارض جاء بشكل مبتذل بحيث تم عرضها في صيغة البازار اولا و ذلك لمحاكاة  واقع و تقاليد السوق الشرقية و بالتالي رسم صورة مصغرة للشرق من زاوية و نظرة الغرب و قد شملت العروض حتى عرض الإنسان امعانا في تقديم   اللون المحلي. و بهذه الطريقة المبتذلة و المهينة كانت تقام عروض حية و تعطينا كيفية توضيب الفن لاستهلاكه ك فن الشعوب المسلمة. فيما كان الاختلاف واضحا حول تسمية هذه المعارض بين  (الفن المسلم )و ب (العربي ).و حظيت كل هذه المعارض و العروض الفنية بنقد فني اتسم في اغلبه بطرح قراءات نسقية تقوم على قسمة المواد المعروضة وفقا لحواملها المادية و الثقافية و تمييزها و تصنيفها بل وسمها بالصفة الإسلامية. كما ظهر متخصصين في قراءة الكتابات العربية أو الفارسية التي تحملها بعض هذه المواد الفنية. مما جعل هذه المواد تحظى بعناية تحليلية و دراسية غير مسبوقة.  مما أثار نقاشات سياسية حول الفن و فوائده الاستعمارية. و لعل أبرز هذه المعارض معرض 1893 بباريس و الذي وضع دليله الرسمي (جورج ماري )و هو يرى أن فرنسا تأخرت شيئا ما في اقتناء هذه المواد عن باقي الدول الأوروبية الأخرى. كما انتقد السياسة الاستعمارية لفرنسا في الجزائر بعدم اهتمامها بالصناعات المحلية و حماية مصالح السكان المحليين في هذه الصناعات كمدخل لتسهيل دخول فرنسا إلى أفريقيا الوسطى بدل محاربتها و إغراق الأسواق بالمنتوجات و المواد المصنوعة في فرنسا و الرخيصة من حيث القيمة الفنية و الثمن مقابل الصناعات المحلية ذات القيمة الفنية و الجودة العالية.

و بهذا وفرت المعارض العالمية العامة والمختصة مجالا تحققت فيه من اختيار المواد الإسلامية الجديرة بالعرض و من جمعها و تصنيفها بل من أن تكون مدرجة في الأدلة اي الدليل و الكتب أو المقالات لاشهارها و الترويج لها. و بات مكان العرض يخضع لاقيسة مستقاة من التاريخ الصرف حسب البلد أو الأسلوب. لكن أغلب هذه المعارض كانت حكومية الطابع و بذلك تم تقديم هذه الأعمال الفنية المعروضة في مجموعات تضم تعريفا دليليا لها بإسم مالكها الفعلي و ذلك اعترافا بفنية المواد المجلوبة أو المقتناة دون مراعاة للصانع الأصلي لهذه الأعمال الفنية . كما ظهر هواة الجمع الفني و الذين كانوا يقتنون التحف النادرة و الأعمال الرائعة و الأعمال الاستثنائية ولا يقومون بعرضها على العموم و لا يبيعونها لتخليد أسماءهم ك مالكي هذه التحف الفنية و هذا ما اصطلح عليه بالعرض بين بيع و خلود. 

و بذلك بات للمادة الفنية بطاقة هوية تثبت وجودها و تثبت دخولها إلى الملكية الفرنسية وفق شروط تحديد الهوية و الملكية في المجال الفرنسي. و تندرج هذه العملية تحت مسمى : فن قيد الإنتاج. و من هنا جرى استعراض الألفاظ الاصطلاحية المستعملة في القرن التاسع عشر لتعيين مواد الفن الإسلامي. و من بين هذه التراكيب اللفظية : صنيع فني objet d’art. و إنتاج فني production artistique و قطعة فنية pièce d’art و عمل استثنائي oeuvre exceptionnelle و قطعة نادرة  pièce rare و عمل رائع chef-d’oeuvre. 

و هذه اقيسة في التعيين و التمييز تستند للمواد لبلوغ التكريس في تقدير قيمتها الفنية.

هذا المسار التكريسي رفع من رتبة المادة إلى رتبة التحفة و بالتالي أصبحت  مادة فنية مما أدى إلى إعادة إنتاجها و تحويلها و تغيير طبيعتها و استعمالاتها و تنزيلها في ثقافة أخرى لها طرقها المختلفة في التعاطي مع هذه المواد الفنية من تجميع وتمييز و تقدير و إقامة المقارنات و تحديد التشابهات و التباينات وفقا لاقيسة وضعها الدارسين و المؤرخين و الجامعين أنفسهم. و ذهبت إلى تحديد العصور و الأساليب و ترتيبها حسب الحقب التاريخية بشكل متدرج من القديم إلى الحديث. و هكذا اكتسبت هذه المواد الفنية معانيها من الحركة التي تحافظ عليها. و أصبح لهذه المواد الشرقية وجود متحفي بانتقالها من وجود إلى آخر اي من سياق مادي إلى آخر. و هذا الوجود هو بين المثول و الغياب في آن واحد لاحتياج هذه المواد الى مواد مماثلة لتعيينها على أساس التقارب أو التخالف فتم تصنيفها على هذا الأساس باحالتها على بيئات و أساليب و عصور و سلالات و غيرها ثم جمعها في مجموعات هذه المجموعات تتعاقب على ملكيتها و هذا التعاقب في الملكية يؤدي إلى حصول التغير في مرات عديدة على هذه المواد الفنية و الأعمال الفنية. و بذلك صارت المادة الفنية متداولة بشكل كبير. لكن كيف تم هذا التداول و هذا التهافت على المواد الفنية و تصيدها و جعلها خاضعة لاشكال التملك.

و من هنا نتأكد من أن انتقال هذه الأعمال الفنية جاء متزامنا مع الحملة الفرنسية في مصر و بعدها مع الحملة الاستعمارية التي عمت كل البلدان الشرقية و الأفريقية و التي بفضلها تم وضع اليد على أغلب هذه الأعمال الفنية. و قد كان للدبلوماسيين و القناصل المعتمدين في عدد من البلاطات الشرقية الجهد الكبير في الحصول على أغلب هذه المواد الفنية كهدايا من الحكام العرب الباحثين عن دعم سياسي أو مالي من فرنسا أو لدعم حكمهم الهش و المريض. و أغلب هذه الهدايا تعود ملكيتها إلى الدولة الفرنسية و بالتالي إلى متاحفها ك اللوفر و غيره من المؤسسات العمومية. كما حظي الكثير من المستشرقين و العسكريين و الرحالة و العلماء من باحثين و دارسين على بعض من هذه الأعمال الفنية. و بذلك نجد طريقين للحصول على المواد الفنية و انتقالها إلى مالكها. طريق الحملة الاستعمارية و التي اتسمت بعنفها و همجيتها بمصادرة و وضع اليد و هذا الجلب اتخذ شكلا عنفيا و يندرج تحت مسمى  النهب الهمجي لمواد الفن. فيما انتهجت سياسات لحيازة مواد الآثار القديمة و الفن الإسلامي من أهمها : النفاذ العلمي أو النفاذ السلمي أو سياسات الاحتواء .كما كانت القوة العسكرية وسيلة في نهب و انتزاع هذه الأعمال الفنية. 

أما الطريق الثانية فكانت عبر المجموعات الخاصة كبعض العسكريين و الدبلوماسيين و الباحثين و المستشرقين و العلماء و الدارسين و المنقبين. و كل هذه السياسات أدت إلى التحكم بمواد الفن الإسلامي سواء عبر ملكيتها المباشرة و تحويلها إلى المتاحف الفرنسية  (خصوصا اللوفر )و بالتالي أصبحت سلعة متداولة و على نطاق واسع بحيث تم تخصيص محلات على شكل بازارات لبيع و اقتناء هذه المواد الفنية. كما تم تداولها في معارض عامة و صالات العرض الخاصة.

الجامعون الفرديون ينتظمون و يتبادلون فيما بينهم هذه المواد الفنية و بذلك عرفت الدورة اتساعا و نشاطا كبيرا مما حتم إقامة دور و صالات و حتى متاجر مختصة لبيع و عرض هذه المواد الإسلامية. فتكون من خلال هذا النشاط حركة حكومية عمادها المتاحف و المكتبات و المعاهد العلمية و غيرها  (متحف اللوفر – مكتبة اللغات الشرقية ).

و حركة فردية يقوم بها مقتنون و طالبو تأليف المجموعات. و هذان الحركتان متقاطعتان و متعاونتان في نفس الوقت. و أصبحت هذه الدورة بين الانغلاق و الانفتاح بعدما بلغت مداها و ارتفعت وتيرتها و تعدت المجموعات  و صارت بالعشرات. 

و قد تحسر الناقد ميجون و أحد هواة هذه المواد الفنية من ندرتها و ارتفاع اثمانها بحيث أصبح ثمنها يوازي ثروة بكاملها و تحولت إلى مادة استثمار بالرغم من مخاطر العملية من حيث الربح. 

و قد ساق لنا الكاتب أهم و أكبر الجامعين : ألبير غوبيل و شارل بيت لاتوردي و المستشرق شارل شفر و ريمون كوشلين و الدوق دو بلاكاس. 

و من أهم واضعي الدليل أو الكتب التي تعرف بهذه المواد الفنية الإسلامية نجد : الأب جوزف توسان رينو. و جول لابارت .

و قد كتب عدد من النقاد على أن إقبال بعض الجامعين على الجمع صدرت عن رغبة لاهية للترويح عن النفس غالبا إلا أن هذه الرغبة تحولت إلى شغف و هذا ما كتب عنه كوشلين و ميجون بتشبيه الجامع بالصياد و التحف الفنية أو المواد الفنية  بالطريدة. و هذا التصيد للمواد النادرة كان يتطلب صبرا و مثابرة و كذلك المال. مما دفع بعض الجامعين إلى تنصيب وكلاء لهم يتنقلون بين المدن الأوروبية و الشرقية لحضور البيع العلني في صالات العرض للشراء و اقتناء هذه الأعمال الفنية. و قد وصف الناقد ميجون هؤلاء الجامعين بالأبطال الملحميين لأناتهم  في عملهم التجميعي و الإحتفاظ النهائي بها إلى حد الوله و التماهي لتصبح أشبه بالعائلة الجديدة لهم. فيما تميز جامعين آخرين بالكسب و المراهنة 

و هذا الحفظ الختامي للعمل الفني أعطى للعمل الفني قيمة مالية في التعاملات و تم تثمينه و أصبحت له سوقا مما أهله ليندرج في شبكات تجارية نشطة .و ضمن هذا السياق تندرج مبادرة المهندس : دو وايلي الذي أقدم على تأسيس (جمعية أصدقاء الفنون )  1790و التي سعت إلى تنظيم شراء لوحات فنية بواسطة نظام الاكتتاب بعد سحب علني ترجع على أحد أعضاء الجمعية. و إذا كان العهد الملكي قد عرف تداولا محتشما لهذه الأعمال الفنية فإنه في عهد الإدارة الثورية بلغ تداول هذه الأعمال الفنية مداه و ذلك بكثرة المعارض في المتاحف الأوروبية و في  صالات العرض المختصة العمومية و الخاصة مما جعل هذه المواد الفنية ترتفع أسعارها أضعافا مضاعفة بحيث باتت تشكل ثروة في حد ذاتها. و بذلك اتسعت سوق الأعمال الفنية مع ازدياد الطلب عليها. مما فتح الباب لطلب نسخ من الأعمال الفنية التي بلغت مرتبة الإنتاج الفريد. و هذا يدل بدوره على اتساع نطاق المتعاملين و الطالبين للعمل الفني و بلوغ السوق درجة أكيدة في التنافس و بالتالي سلعة قابلة للاستثمار و حتى الاحتكار .

و بذلك تم تشكيل المجموع الإسلامي من هذه المواد الفنية الخاص بالدولة الفرنسية عبر ما غنمته في حروبها النابوليونية و من مناطق نفوذها و مستعمراتها بالأساس. مثل الجزائر و تونس و سوريا و لبنان و غيرها. عبر شبكات و مراسلين للنفاذ لهذه البيئات و من ثم رصد و جمع هذه الكتب و المخطوطات و النوادر المتصلة بالشرق. 

و قد انتهت مواد أساسية من هذه المجموعات الفردية أو الخاصة لمتحف اللوفر بباريس تبعا لوصاية أصحابها . (القسم الاسلامي من اللوفر ).

و بالتالي بات للوفر نشاط مستقل كباقي المتاحف الفرنسية الأخرى مما استثار نشاط النقاد و الحافظين و الذين لعبوا دورا فاعلا في التملك النهائي لمواد الفن الإسلامي.  و من هنا يمكن التحدث عن دورة فنية توالدية أدت إلى خلق علاقة لزومية بين الفن و التربية و بين الفن و الجمهورية و هذا كله من حسنات الثورة التي أدت إلى تغييرات جوهرية في سياسات الحكومة جمهورية الطابع قضت بفرض تعليم الرسم على الطلاب في المدارس الفرنسية إبتداء من سنة 1878 .و بالتالي تثمين و حفظ هذا الميراث  الفرنسي في نطاق الفن. و أصبحت الدولة الفرنسية وصية و حافظة في نفس الوقت على هذا الميراث الذي يعني الإنسانية جمعاء.

الباب الخامس و الأخير و الذي سيطرق فيه الكاتب شربل داغر إلى سيرورة المعنى من حيث وضعها و دلالتها الاجتماعية و من حيث  التكريس و عودتها على الأعمال الفنية. 

و إذا كانت الملكية هي المصرع الأول من باب ذي مصرعين لدورة الفن الإسلامي فإن المعنى هو المصرع الثاني لهذه الباب . 

فهما يخضعان لنفس السيرورة من حيث التحقق منهما معا أي من مصدرها و التعريف بها و جعلها تخضع لعمليات وضع معنى لها داخل بيءتها الجديدة أي في فرنسا و من هنا تعطى للعمل الفني قيمة حسب المتن و النص نفسه  .

و لهذا اعتبرت معظم الكتابات التي بحثت اما بالتحقيق أو التدقيق في هذه الأعمال الفنية بالدرس و التقييم. فكانت هذه الكتابات و الفهارس بمثابة إنتاج معنى لهذه الأعمال الفنية وطبعها بطابعها بتصنيفها و ترتيبها و مقارنتها مع بعضها و غيرها و وضع عنوان عليها يعرف بها تعريفا حسب نوعها. و من هنا نجد ان الفهارس اعتمدت تصنيف هذه المواد الفنية إلى سبعة أنواع : 

-مواد عامة – العمارة و الفنون الملحقة بها و النقوش – الخزفيات و الزجاجيات – السجاد و الأعمال القماشية – الفنون الصناعية بما فيها الأعمال على الخشب و المعادن و الحجارة – الأسلحة و شكاتها و الشارات – التصوير و المزوقات و الكتب و المخطوطات. 

كما اشتملت هذه الفهارس على كتابات موصولة بالرحلات التي قام بها بعض الرحالة و التجار و الدبلوماسيين و فنانين و غيرهم إلى الشرق في عهود مختلفة . و من أشهر هؤلاء الرحالة جيرار دو نرفال الذي تحدث عن فنون اسطنبول و التصوير عند الأتراك سنة 1867. 

و يبقى الفهرس مقيدا  فهو مجرد مدونة توثيقية فقط لا غير و لكنه ذات حمولة بحيث ترسم لنا الطريق حول كيفية وضع المعنى لهذه الأعمال الفنية. إلا أن هذا المعنى يبقى خاضعا في مجمله إلى تجاذبات و تنافسات و اختلافات حسب نظرة واضعيها من الناحية النقدية و حسب استعمالها الاجتماعية.

و قد استنتج الكاتب و الباحث شربل داغر بأن هذه الفهارس  تعاطت مع الأعمال الفنية بشكل مقتضب أو في نطاق ضيق من خلال وضع المعنى الخاص بهذه الأعمال و المواد الفتية من حيث التعريف بها و أتت على شكل مدونات توثيقية دالة  منبثقة من الثقافة و اللغة التي استقبلت هذه المواد الفنية و هنا يتحدث الكاتب عن اللغة الفرنسية. 

كما جاء وضع المعنى لهذه الأعمال الفنية على شكل المجموع الكتابي و هذه لغة الدارسين و الباحثين و النقاد و تأتي هذه الكتابات على شكل أخبار تهتم بتداول و تناقل و اقتناء و بيع هذه المواد الفنية في فرنسا من ملكيتها و تناقلها و حفظها إلى وضع المعنى الخاص بها و الدال عليها. 

و أصبح ضروريا إنتاج المعنى ك نص واصف لعرض المواد الفنية في سياقها التداولي. و التعريف بها من منظور نقدي  و هكذا نكون أمام عملية كتابية اجتماعية تستدعي قيام معنى للمادة بناء لاحتياجات عند الأفراد و أجهزة و هيئات و حكومات و غيرها و تعزيزا لمواقع أو لاستهدافات مختلفة. 

و هذا المنهج يؤدي إلى الوقوف عند : 

أولا : وقفة النص في بناءه. ثانيا : وقفة النصوص في ما بينها في ابنيتها على أن تعالقاتها نصية و تصدر مثلما تصب في شواغل و استهدافات اجتماعية. ثالثا : وقفة الحراكية العامة التي تجتمع فيها عناصر الدورة التداولية بما فيها من كتابات سياسات و ممارسات و غيرها متكوكبة حول إنتاج دينامية تاريخية في نطاق بعينه مع غيره.

و على هذا يمكن ان نتحدث عن لغة مخصوصة تناسب وضع المعنى لهذه الأعمال الفنية لغة تعتمد اعمال النظر الفاحص  و الوصف الدقيق مع استعمال ألفاظ و تراكيب تثيرة انتباه المتلقي و بالتالي خلق حوار بأبعاد تتعدى النص نفسه بين الكاتب و القارىء اي بين المرسل و المرسل إليه و العمل الفني.  

فالمقالة أو الدراسة أو الكتاب لا تدرس أو تعالج هذه المادة الفنية أو تلك بل توضبها و تعرضها و تقدمها للقارئ وفق أنماط تعيين سياقية  و هنا فرنسية بالطبع إذ هذه العناوين تظهر بقدر ما تخفي و خصوصا عن أصول هذه المواد الفنية. و من هنا يبدو النص نظاما اقناعيا لتحفيز المقتني فقط على الشراء دون وضع هذه الأعمال الفنية في إطارها الحقيقي من حيث قيمتها الثقافية الملتصق بالشرق عموما و هذا تعريف إجمالي و تبخيسي في آن من حيث تقديم هذه الأعمال الفنية ذات الأصول الشرقية.

و قد وقف الكاتب شربل داغر عند مقدمة كتاب ألبير غاييه ليعطينا خلاصة عن كيفية تعاطي هذا الكاتب و الناقد و الجامع في آن واحد عن هذه الأعمال الفنية بحيث وصمها في كتاب  (الفن العربي )بصورة إجمالية و لكن بصورة تبخيسية و ذلك بتوصيفها وصفا عرقيا و ذلك لتوليد القناعة عند المتلقي بأن العربي لم فنانا قط و إنما الأعراق الأخرى التي وقعت تحت السيطرة العربية و الإسلامية مثل الأقباط و الفرس و البيزنطيين هم من أنتج و صنع هذه الأعمال الفنية. و قد تبين الكاتب من أن ألبير غاييه استعمل ثلاثة أصناف من الجمل تحتمل الفاظا اصطلاحية لتعيين هذه المواد الفنية و التعريف بها. من أهمها : الإبلاغ الإخباري و هذا يعنى بالحديث عن الوقائع في حصولها و تسلسلها و انقطاعها. ثم الإبلاغ الوصفي و الذي يعنى بتعيين مادي قوامه الوصف العياني و أخيرا الإبلاغ التقويمي و هو الذي يعنى بإطلاق صفات أو أحكام سلبية أو إيجابية على كائنات أو أعمال أو مصنوعات أو سلوكات و غيرها. و كل هذا من أجل صياغة و وضع المعنى لهذه الأعمال الفنية. 

و يتضح بالملموس أن التاريخ العام كالتاريخ الفني ينبني تبعا لمقاييس و تصانيف متاتية من فرضيات ثقافية و فلسفية محددة للفلسفة التاريخ و الفن بشكل عام و يخضع بالتالي لرؤية و ثقافة من كتبوا عن هذا التاريخ و هنا نتحدث عن المستشرقين بصفة خاصة. بحيث يتم إخضاع و إسقاط ألفاظ تقنية اصطلاحية مستقاة خصوصا من سجل ألفاظ العمارة الفرنسي على سبيل المثال لا الحصر.

و هذا التقويم العرقي الذي ينطلق منه ألبير غاييه لا يعدو أن يكون سببه عرقية بالأساس اعتمدت في الغالب على إطلاق أحكام قيمية لا غير. أو إبداء رأي دون سند أو تحقيق من صحة الفرضية التي انطلق منها الباحث نفسه و التي يدعي فيها بأن العربي لم يكن فنانا قط لطبيعته البدوية و التي تعتمد على الترحال كأساس للعيش. و من هنا تأتي دونيته العرقية و التأكيد على أن العرق اساس الفن و هنا يعني باقي الأعراق الأخرى التي دخلت في العهد الإسلامي تحت الحكم العربي. و هذه نظرة تبخيسية و لا تخلو من حقد لدى بعض هؤلاء المستشرقين.

و من كل هذا نصل إلى بناء النص عن الفن بحيث يتعدى كونه يساهم في وضع المعنى لهذه المواد الفنية إلى فهم دوافع و دواعي هؤلاء الكاتبين أنفسهم إلى الاشتغال و الإهتمام بهذه المادة و الكتابة عنها و جعلها في إطار التداول رغم كونها من ثقافة مختلفة تماما عنهم و بذلك أصبح للمعنى بناء اجتماعي و جماعي في نفس الوقت. 

و إذا كان الناقد و الكاتب و الدارس هم أول من يتلقى العمل الفني الإسلامي في محطاته الأولى فإنهم هم أنفسهم من يعمل على جمعه و تقديمه و الكتابة عنه في المحطة الأخيرة. 

و لذلك نجد كثير من الدبلوماسيين انصرفوا إلى الدرس الآثاري بل يمكن القول بأن معظم النقاد و الكاتبين و الدارسين قد تخرجوا من المعهد الآثاري في القاهرة و من هنا يمكن ان نتحدث عن تشكيل و تكوين  مجموعات متخصصة في الفن الإسلامي و نشأة الدراسات الشرقية . و يمكن ان نرسم نشأة علاقة بين الدولة و هؤلاء النقاد و الكاتبين علاقة توضح بشكل جلي مدى تناغم كتابات هؤلاء النقاد و الكاتبين مع سياسات و توجهات الدول في ما يتعلق بالثقافة و الفنون عموما. و بهذا يبدو النص عن الفن ك ساحة اجتماعية تتضح من خلالها تطلعات و سياسات الدولة و هنا نقصد فرنسا بالذات. و يبدو النص عن الفن ك صفحة متصلة أو كتاب مشترك من وضع فاعلين متعددين و هي صيغة من التشارك الاجتماعي في وضع المعنى. و قد أبان الكاتب شربل داغر عن وجود ثلاثة أصناف من المواد الكتابية و التي تعنى بالمواد الفنية : -الكتابات المحيطة بالفن و الكتابات المتصلة بالفن و الكتابات عن الفن.

و هذا التصنيف المعتمد على فرز المادة الفنية أعطانا كتابة مختصة  تتوزع في أربعة أنواع : نصوص تعنى بالإبلاغ أو الوصف و نصوص تعنى بدرس المعالجة و الأسلوب و المشترك أو نصوص مختصة بنوعية  خاصة أو نصوص ذات طابع فلسفي. 

و كل هذه الكتابات لها غرض توثيقي و تعنى بالنظر الفني و التاريخي و الثقافي و الجمالي لهذه المواد الفنية. و على هذا الأساس نجد ذلك الالتباس المفهومي لكلمة الفن نفسها فهي متغيرة حسب العهود .و هذا التباين في التعيين يشكل ارتباكا و اختلافا عند المفهرسين و الدارسين و الذين أقاموا التمييز بين علم الماضي و هو علم الآثار و بين الفن. و هذا التمييز هو لغايات عرقية محضة و نشتم رائحة ذلك في إحدى رسائل  الناقد هنري لافوا إلى شارل شفر مدير (مدرسة اللغات الشرقية ): لو استثنينا العمارة لا يحتل الشعب العربي مكانة كبيرة في تاريخ الفن. 

و لهذا تم حصر التسمية في ثنائية : الآثار و الفن أو العمارة و الفن .

هذه النصوص بدورها و المعتمدة من نقاد و كاتبين في نطاق الفن وضعت خطابا عن الفن. خطاب شامل و محيط بطرق مختلفة عن الفن   من الحديث عن تاريخه العام و تاريخه النوعي. و بذلك تم رسم مسار تأليفي يؤرخ لهذه الكتابات و بالتالي للفن نفسه.

و يبقى للمستشرقين الفضل في الكتابة عن هذه المواد الفنية و جعلها تحت الدراسة و التحقق من تاريخها بشكل شمولي لا يخلو من نفعية لصالح الثقافة التي وضعت من أجلها. و غالبا ما يقع عدم التمييز بين الأصل و الهوية في الفن لأسباب عرقية و لظروف تاريخية املتها السياسة الاستعمارية للمنطقة العربية و الشرق عموما.

و يعود الكاتب في الفصل الثامن عشر ليؤكد بأن النص عن الفن ينبتي وفق علاقة بين الانتفاع و الحقيقة. انتفاع كاتب النص عن الفن بما يكتبه و ينشره عن المواد الفنية . و حقيقة الفن نفسه  من حيث التداول و التكريس و التقييم و الدراسة و التثمين و إعادة الإنتاج و التصنيف و الحفظ. و أنه في كل سيرورة مرورا بكل هذه العمليات المختلفة بين فردية و خاصة بأهل المهنة يتم إنتاج قيمة للمنتج و المنتجين مما يمنح  هذه المواد عائدا و قيمة في النشاط التداولي العام مما يسهل وصوله إلى فئات المجتمع عامة بتعميم الفن على الشعب عبر تنظيم متاحف عمومية باثمنة مناسبة تتخللها مسابقات تحفيزية ك اليانصيب و غيرها من المسابقات. 

هكذا يكون لإنتاج المعنى عائد أكيد و متعدد الأوجه و يقوم على أساس تحقيق سياسات الحكومة الفرنسية خارج بيءتها عبر الحرص على اكتمال الدورة الفنية من الصانع إلى المتحف. مما يخلق علاقة بين الثقافة المحلية و الثقافة الوافدة من المستعمرات. 

و من هنا نجد تلك العلاقة بين السياسة و الفن و بالتالي تأثر جل الكتابات عن الفن بسياسات الاستهداف السياسي. و ايا كانت طبيعة المتن الخاص بالفن الإسلامي وجب النظر إليه من جهة الإحتياج إليه ومن  لزومه أيضا. لغياب مفسرين له بل مهتمين به في بيءته الأصلية. و هذه العلاقة عبر عنها الكاتب شربل داغر بأنها نوع من التثاقف و هي علاقة ناشئة بين الدارس و موضوع الدرس. فيما الدارس هنا هو المعمر الفرنسي و موضوع الدرس الشرق عبر المحمول الثقافي.

و لذلك فإن أي مراجعة فاحصة و نقدية للمعنى التي تطال المادة الفنية تخضع لشروط و آليات الوضع نفسه و التي تحكمت بإنتاج هذا التفسير أو ذلك مما يجعلها فاعلة و مفسرة في إنتاج المعنى طبقا لمسار التعرف و مسار الدرس. و هذا ما يفسر على أن عملية الوضع الجديد للمعنى تأتي في سياق لحظة الكتابة التاريخية نفسها مما يجعل الخطاب بحمولة ثقافية أوروبية محضة. و هذا الذي يجعل المعنى بين التبخيس و الرفع من قيمته في آن واحد  و هذا من منظور المدرسة الاستشراقية عموما. و بالتالي بات الفن الإسلامي جزءا من تاريخ الفن بعد طول نقاش و تردد إلا أنه بقي خارج خطاب الجمالية و بدا في غالب الأحوال مبعدا و مهمشا و موسوما بالدونية في دائرة الفنون عامة.

و خلاصة القول فإن المواد الفنية الإسلامية تم التعامل معها كغنيمة حرب أو كنز تمت مصادرته أو جاءت على شكل هدايا من حكام ضعاف. هكذا كانت الظروف التاريخية التي تم فيها انتقال هذه المواد الفنية إلى الغرب عموما و فرنسا بالخصوص. و في إطار هذه السيرورة المكتملة الأركان من غصب و انتقال الملكية و العرض و وضع المعنى و الكتابة عن هذه المواد الفنية في إطار ضيق ثم في إطار عمومي و نشوء سوق تداولي  و ظهور مدارس و معاهد تهتم بهذه المواد الفنية و تجعلها تحت الدرس و التحقيق و التصنيف و وصمها بالفن العربي تارة و الفن الإسلامي تارة أخرى و الكتابة عنها بصورة مبتذلة و تبخيسية بل عرقية للتقليل من قيمتها الجمالية و الفنية بعيدا عن بناء حقيقة هذا الفن الغائبة كما كان عليه في وجوده الأول اي في بيءته الأصلية و باستقلال عن موجبات استقباله في سياقه الجديد أي الفرنسي و عن احتياجات الفرنسيين و غيرهم لهذه الأعمال الفنية ثقافيا و اجتماعيا. و من هنا يمكن استنتاج التالي بأن النظرة الاستشراقية كانت حاضرة في تقييم و تقدير و دراسة هذه المواد الفنية من وجهة نظر الدرس الغربي لثقافات الغير و ان المقاربة السياسية و الاجتماعية غلبت على هذه النظرة و الدراسات و قد كانت في غالبيتها مشوهة للغير بالرغم من وجود  حمولات لفظية عربية قديمة صنفت كل ما له قيمة فنية في إطار (الزينة )حتى أن الفارابي جعلها (الوجود الأفضل )كما أفرد لها اخوان الصفا بابا تصنيفيا لأول مرة في التأليف بالعربية هو (صناعة الزينة و الجمال )و هذا بقرون عن الكتابات و التصنيفات و الدراسات الاستشراقية. مما يدل على القيمة الاعتبارية التي كانت لهذه المواد و الأعمال الفنية في العالم العربي و العالم الإسلامي بصفة عامة. 

و إذا كان التاريخ غالبا ما يكتبه المنتصرون فلا غرابة أن يكتب عن الفن الإسلامي بهذه الصورة المبتذلة و البعيدة عن ميزان الحق بشكل دقيق . 

و السؤال هو متى يتم فتح ملف تاريخ  فرنسا الاستعماري في المنطقة العربية بشقيه السياسي و الفني!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube