مستجداتمقالات الرأي

مشكلة قطاع النسيج في المغرب

ذ. ايمن الزبير مدريد

قد يظن البعض أن لدي هوس شخصي بهذا القطاع و أن في كلماتي تحامل دائم على آلاف الشركات، التي تعتبر وفق معطيات الجمعية المغربية لصناعة النسيج والألبسة المصدر الأول لتوفير فرص العمل في المغرب بـ600 ألف فرصة، منها 200 ألف بالقطاع الرسمي وحوالي 400 ألف في القطاع غير الرسمي.
و قد يذهب البعض الآخر إلى أن حجم معاملات القطاع الموجهة نحو التصدير 39 مليار درهم (نحو أربعة مليارات دولار)، كفيل بغض الطرف عن بعض التجاوزات التي تسجلها بعض المصانع و التي لا يمكن تعميمها.
لكنني مع كل الاحترام الذي أكنه لمن اجتهد و ضحى لإنجاح مشاريعه في هذا القطاع، أعتقد أنه آن الأوان لطرح نقاش حول استدامة هذا النشاط الاقتصادي و فرص نجاحه في محيط اقتصادي متقلب، ستحكمه في السنوات المقبلة هيمنة الذكاء الاصطناعي و قدرة هذا الأخير على تعويض اليد العاملة “الكلاسيكية”.
أستعيد هذا الملف ليس لتصيد الفجوات تزامنا مع فاجعة طنجة و لكن لأن في آلام ما حصل في الورشة الفوضوية دروس بليغة لا يمكن طيها دون قراءة دلالاتها.
حتى قبل انتهاء التحقيقات القضائية لن يختلف اثنان حول التساهل الموجود مع مصانع تحمل من السرية ما تحمله بطون بعض أرباب القطاع من الكوليستيرول الضار.
ليس فقط هدير الآلات و بياض بلوزات العاملات، بل كل شيء يقودك إلى عناوينها: سيارات النقل، عربات القهوة المتنقلة و شاحنات التصدير التي لا تجد حرجا في شحن الألبسة من أبوابها.
لا نخفي إذن الشمس بالغربال و لنعترف بأنها -المصانع السرية- ليست كذلك، بل جزء لا يتجزأ من منظومة انتاجية توسعت موازاة مع تعاظم قطاع النسيج الاسباني الذي ترتهن اليه مصانعنا بشكل مرضي.
“إنه قوت البسطاء، و لا يوجد بديل، و على الأقل “الدرويش يحارب الفقر، و و و ….”

و بعد الصراخ نتناقش بالمعطيات:

‎1- قبل جائحة كورونا بلغت معاملات شركة اسبانية واحدة ‎26 مليار يورو،Inditex أي ستة أضعاف أكثر مما حققته كل مصانع النسيج المغربي، علما أن عدد العاملين في الشركة الاسبانية لا يتجاوز 170000 في كل دول العالم. ‎2- في أي حديث مع أرباب المصانع لا يخفي المهنيون توجسهم من ارتهان قطاع النسيج الى الشركات الاسبانية. كيف إذن يمكن وضع كل البيض في سلة جارة تربطنا بها علاقة معقدة؟ ‎3- آفة قطاع النسيج انخفاض الأسعار. فحتى لو سلمنا بأن المرتبات التي تمنحها المصانع المغربية لا تكفي لتأمين العيش الكريم، تبقى هذه التعويضات مرتفعة نسبيا عندما نقارنها بدول منافسة مثل بنغلاديش. ‎4- غياب القيمة المضافة. لا أعرف أي عامل أو عاملة في قطاع النسيج تعلم تقنيات استثنائية تفتح له أبواب الشغل في مجال آخر. من كان يتقاضى 1600 درهم سنة 1998، لا يفوق مرتبه اليوم 2500 درهم. ‎5- طنجة مرآة الفشل. يستحيل فهم الفوضى المعمارية في المدينة -60% من السكن عشوائي- دون ربطه بما جاءت به بعض الصناعات التي توسعت دون التفكير في ظروف حياة العمال و حاجتهم الى سكن لائق.

و ماذا بعد؟
لا يمكن التخلي بأي حال عن هذا القطاع، بل وجب شكره و مساندته لكل ما قدمه لآلاف الأسر التي تجاوزت على سبيل المثال أزمة كورونا دون السقوط في براثن العطالة و الفقر المدقع.
لكن النموذج الانتاجي الحالي يحتاج الى مراجعة هادئة و بناءة.
بعد أزيد من 40 سنة من التجربة لا يعقل أن تكون إضافتنا الوحيدة هي اليد العاملة الرخيصة.
أين هي الماركات المغربية؟ ما هي حاجيات السوق الداخلية؟ ما هي إمكانيات التصدير الى الاسواق الخارجية؟
يلبس الاسباني ما صنع في بلده، و يلبس التركي ما يخرج من مصانعه، و كلاهما يغرقان أسواقنا بمنتوجهم، فلماذا هذه المازوخية و قلة الحيلة؟
ان لم نتغير سنجبر على التغيير و ذلك علاج عسير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube