
بقلم د ادريس الفينة
في ظرف زمني لا يتجاوز ثلاث سنوات، انتقلت السيارات الصينية من موقع هامشي في السوق المغربي إلى موقع مهيمن، مزاحة بذلك كبرى العلامات الأوروبية والآسيوية التي طالما تربعت على عرش المبيعات. فقد أفادت بيانات رابطة مستوردي السيارات بالمغرب (AIVAM) أن السيارات الصينية مثل MG, BYD, Chery, وGeely شهدت ارتفاعاً في مبيعاتها بنسبة +140% بين 2022 و2024، متجاوزة سقف 32% من حصة السوق الوطنية في نهاية أبريل 2025، مقابل أقل من 6% فقط في 2021.السبب الرئيسي وراء هذا الصعود السريع لا يكمن فقط في انخفاض السعر، بل في المعادلة الثلاثية التي باتت الصين تتقنها بامتياز: السعر التنافسي + الجودة الصناعية المقبولة + محتوى تكنولوجي مرتفع. فقد باتت السيارات الصينية مجهزة بأنظمة ذكية، وشاشات رقمية، ومحركات كهربائية متقدمة، تُقدم بسعر يقل بنسبة تصل إلى 30-40% عن مثيلاتها الأوروبية أو الكورية.من السلع الرخيصة إلى التكنولوجيا المعقدة: ملامح تحوّل استراتيجيخلافاً للصورة النمطية السابقة، لم تعد الصين تصدر فقط “سلعاً رخيصة” إلى الأسواق الناشئة. اليوم، باتت المنتجات الصينية تغزو السوق المغربي في قطاعات عالية القيمة، وعلى رأسها السيارات الكهربائية والهجينة، حيث تمثل السيارات الكهربائية الصينية الآن ما يقارب 70% من إجمالي السيارات الكهربائية الجديدة المستوردة إلى المغرب.هذا التحول يطرح إشكالية مركزية: هل المغرب جاهز فعلاً لهذا النوع من المنافسة؟انعكاسات محتملة على النسيج الصناعي المحليمن بين أبرز التداعيات التي بدأت تلوح في الأفق: 1. تباطؤ في مبيعات السيارات المركبة محلياً: شهدت الشركات التي تنشط في تركيب السيارات بالمغرب، مثل Renault Tanger Med وStellantis Kénitra، تباطؤاً في وتيرة التصدير خلال الربع الأول من 2025 بنسبة -5.2% مقارنة بنفس الفترة من 2024، وفقاً لإحصائيات مكتب الصرف. ويعزى ذلك جزئياً إلى تراجع الطلب في أوروبا وظهور منافسة شرسة من الصين في أسواق التصدير التقليدية. 2. عجز تجاري متزايد في قطاع السيارات: رغم أن قطاع السيارات يبقى الأول من حيث الصادرات المغربية (بقيمة تقارب 49 مليار درهم في الأشهر الأربعة الأولى من 2025)، فإن الواردات الصينية في نفس القطاع بلغت 11.7 مليار درهم، مسجلة ارتفاعاً بنسبة +58%، مما يكرّس اختلالاً تجارياً هيكلياً. 3. ضعف الارتباط الصناعي مع المورد الصيني: بعكس الشراكات الأوروبية التي ترافقها عادة نقل تكنولوجيا ومناولة محلية، فإن السيارات الصينية تصل مكتملة التصنيع، دون أي مساهمة فعلية للنسيج الصناعي المغربي أو خلق فرص عمل محلية.أولويات استراتيجية مفقودة في السياسات التجاريةالمفارقة أن البلدان التي تستورد من المغرب—كفرنسا وإسبانيا وألمانيا—لا تحظى بنفس المعاملة التفضيلية في ما يخص الولوج إلى السوق المغربي. في المقابل، تتمتع الصين بوصول ميسر رغم ضعف وارداتها من المنتجات المغربية المصنعة (أقل من 3% من إجمالي صادرات المغرب نحو آسيا).هذا يفرض مراجعة عاجلة لمبادئ المعاملة التجارية بالمثل، حيث يُفترض أن تُمنح الأفضلية في السوق المغربي للدول التي تُظهر انفتاحاً مماثلاً تجاه المنتجات المغربية.هل تستمر هذه المعادلة المختلة؟إن استمرار هذا النمط من التبادل، حيث تُغرق السوق المغربية بسيارات صينية دون تحقيق مكاسب تكنولوجية أو صناعية مقابلة، يُهدد مستقبلاً مكانة المغرب كمنصة صناعية إقليمية، ويطرح تساؤلات عميقة حول جدوى استراتيجيات الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.في زمن أصبحت فيه السيادة الصناعية أساساً للقرار الاقتصادي، لا يمكن أن تبقى السوق المغربية مفتوحة بلا شروط أمام قوى صناعية بحجم الصين، دون حسابات دقيقة للتأثيرات بعيدة المدى.
