إقتصادمستجدات

طبول حرب عالمية تقرع في ظل جائحة صحية وانهيار اقتصادي عالمي


بقلم: عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

أذاعت فضائيات العالم على قنواتها الدولية القرار الأحادي والأحمق الذي اتخذه قيصر روسيا السيد بوتين لغزو أوكرانيا. بالتأكيد، قرار يمني النفس بتحدي أمريكا وأوروبا وحلف شمال الأطلسي. والأسوأ من ذلك، أنه أصدر إنذارًا بعبارات واضحة أن روسيا ستكون عنيدة وقاسية ضد أي محاولة للتدخل الأجنبي في أوكرانيا في إشارة صارخة لامكانية استعمال السلاح النووي في هذه الحرب الضروس. ولكن، هل يمكننا التكهن بعواقب عمل شنيع مثل هذا؟
أظن، أنه ما يمكن أن يثير اهتمامنا بشكل مباشر وفي المقام الأول، قارتنا أفريقيا؟ ماذا ستكون ردود الفعل لدول غرب إفريقيا على هذا التحدي الروسي في أوكرانيا؟ مع العلم بالطبع، أنه قبل بدء مثل هذا الإجراء ضد كييف، سارع بوتين إلى السعي أولاً للحصول على الدعم الصيني، والذي يبدو أنه حصل عليه مبدئياً و مطلقا. و إطلاق ردود فعل عسكرية من قبل الناتو ضد روسيا المدعومة من الصين سيكون من الواضح أنه بمثابة إشعال حرب عالمية ثالثة عن طريق الجيل الجديد من الأسلحة التكنولوجية التي من شأنها أن تنهي الحياة على كوكب الأرض و هذا ما لا تستطيع دول الغرب المخاطرة به تجاه شعوبها. لهذا السبب نعتقد أن الردود الفورية التي يمكن أن يتخذها الغرب ضد موسكو لن تكون بالتأكيد ذات طبيعة عسكرية في هذه المنطقة الأوكرانية حيث قد يخاطرون بترك أرواحهم ومنابرهم وهياكلهم العظمية هناك. بدلاً من ذلك، ستكون الردود اقتصادية وجيواستراتيجية في أماكن أخرى من العالم.
لقد لوحت الولايات المتحدة بالفعل بشأن هذا الموضوع: التهديد بتجميد الأصول الروسية في أوروبا والولايات المتحدة. كما هددوا بفرض عقوبات على الشركات الروسية في الغرب. بل إنهم وعدوا، خلال هذه العملية، بتجميد خط أنابيب نورث ستريم 2 المخصص لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا.
فلقد انضمت ألمانيا بالفعل علنًا إلى الموقف الأمريكي و أضحت مستعدة لعدم طلب الغاز من خط الأنابيب هذا في حال الهجوم الروسي على أوكرانيا. ومع ذلك، فإن السؤال الذي يمكن أن نطرحه بشكل موضوعي: هو كيف يمكن لأوروبا أن تسد هذا العجز من الغاز في حالة فرض حظر غربي على واردات الطاقة الروسية؟ وهذا هو السبب الدقيق الذي يقودنا إلى الاعتقاد بقوة أن الغرب سيحاول في البداية الرهان على عقوبات أخرى غير تلك التي قد تؤثر على مصالحه الحيوية بما في ذلك الغاز على وجه الخصوص. و من المحتمل أن تكون إفريقيا هي النكسة الأولى لروسيا. لأن الجميع يعرف اليوم أن بوتين يحاول منذ بضع سنوات أن يثبت وجوده في إفريقيا. حتى أنه تمكن من الفوز بهذا الرهان مع العديد من الدول الأفريقية و الجزائر واحدة من أكبر حلفائها الحاليين في هذا المشروع الأفريقي. وهذا ما يقودنا أيضًا إلى الاعتقاد بأن الجزائر ستكون بالتأكيد واحدة من أولى الدول التي ستدفع فاتورة الغزو الروسي لأوكرانيا. لأنه سيكون من السيئ للغاية معرفة الأيديولوجية الأمريكية إذا قدر المرء أنها ستربح هذا الغزو الروسي لأوكرانيا دون توقع في المقابل عقوبات قمعية شديدة الشدة ضد روسيا. ومع ذلك، فإن تصرف موسكو ضد كييف، بخلاف كونه إعلانًا للعداء ضد المصالح الغربية في أوروبا الشرقية يشكل بوضوح تغييرًا قويًا لانعدام الثقة الذي استمر في السيطرة على العلاقات بين الشرق والغرب على الساحة الدولية.
و ستتخذ أوروبا والولايات المتحدة اليوم بالتأكيد جميع الإجراءات الصارمة لمنع روسيا من العمل في مناطق أخرى من العالم وحصرها داخل حدودها. يجب أن تكون إفريقيا التي تبدو أهم قارة وحيوية للمصالح الغربية، المسرح التالي للمواجهة بين روسيا والدول الغربية. باستثناء أن أوروبا والولايات المتحدة لديهما أصول كبيرة في إفريقيا مما يضعهما بسهولة كفائزين محتملين في هذه المعركة الأفريقية.
روسيا، التي ربما كانت تخطط لتنويع شركائها في العالم لبيع منتجات صناعتها الوطنية ستواجه معارضة غربية شرسة خاصة في هذه القارة. ومن المؤكد أن قوات الحلفاء ستضاعف التدخلات والعقبات بهدف منع أي مشروع اقتصادي أو عسكري روسي في إفريقيا. و لمنع أي أمل روسي في إفريقيا يحتاج الغرب إلى شركاء موثوق بهم. الحلفاء الذين أظهروا له دائمًا صراحة في التصرفات وصدق المواقف. وهذا بالتأكيد هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة تراهن، منذ عدة سنوات، على المغرب وكذلك على بعض دول غرب إفريقيا. ومن الواضح أيضًا أن هذا هو السبب الذي جعل الأمريكان اليوم يعرّفون المملكة على أنها حليف وشريك موثوق. ونحن الآن نفهم لماذا بدأت جميع دول أوروبا، في الأشهر الأخيرة، في تغيير موقفها بشكل جذري فيما يتعلق بعلاقاتها مع دول معينة في شمال إفريقيا وخاصة المغرب. نتفهم أيضًا سبب اعتبار الولايات المتحدة في وقت الرئيس ترامب تقاربًا جادًا مع المملكة ودعوتها باستمرار لإصدار أوامر لكل من ألمانيا وإسبانيا في عملياتهما العدائية ضدنا. نتفهم أيضًا سبب إمداد المغرب بأحدث جيل من الأسلحة التقنية في الآونة الأخيرة. وأخيراً نفهم لماذا قررت المملكة إنشاء منطقة عسكرية في الشرق مقابل الجزائر التي تجد نفسها، بقوة الأحداث، في قلب حرب جيوسياسية دولية و هي حليفة روسيا بامتياز، تخاطر بأن تكون أول دولة تعاني من الغضب الأوروبي الأمريكي والتي ستقرر عاجلاً أم آجلاً تنظيف شمال إفريقيا لطرد الشركات العسكرية الروسية الخاصة بما في ذلك مجموعة فاغنر والشركات التي تنشط في هذه المنطقة. لأنه أصبح من غير المقبول للولايات المتحدة وأوروبا الاستمرار في التزام الصمت في مواجهة عدم الاستقرار في قارة مجاورة وحدودية من خلال السماح للجماعات المسلحة و غير الشرعية من السيطرة عليها تحت دعاية روسية لحفظ المصالح في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.
لم تكن مناورات “الأسد الأفريقي” التي بدأتها الولايات المتحدة والمغرب بمشاركة دول أفريقية وأوروبية لعبة بلاي ستيشن. لقد كان تدريبًا حقيقيًا لمعارك حقيقية يتوقعها الأمريكان في المناطق الأفريقية. ولذلك فمن المرجح جدا أن يشجع الأمريكان، اليوم أكثر من أي وقت مضى، البناء المتسرع لميناء الداخلة لما يتيح لهم حراكًا عسكريًا أفضل عبر القارات لضرب المصالح الروسية في إفريقيا. وربما يكون هذا أيضًا أحد أسباب انشغال السياسيين والجنود الجزائريين في الأيام الأخيرة في جميع الاتجاهات وفي جميع عواصم الكرة الأرضية على أمل الهروب من الرذيلة الغربية. لذلك فإننا نجازف ونجزم بأن نشهد في القريب العاجل اندلاع حرب عسكرية داخلية داخل قصر المرادية بين المؤيدين والمعادين للروس أمام شعب دمر تمامًا منذ استقلاله بوحشية من قبل قواته العسكرية القمعية.
لقد مد صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وأيده يداه الشريفتان لحكام الجزائر من أجل السلام، وكانت دعوة أوروبا و الأمريكان لهم لضبط النفس بمثابة إنذار على التدخل في شؤؤن المملكة المغربية، لكن دون جدوى و هذا هو السبب الذي ترك العديد من الصحف الدولية تتحدث اليوم عن رقصة أخيرة للديك المذبوح، مستشهدة بالجزائر ، لأنه يبدو أن البيض مطبوخ والخطط كاملة. وللأسف، صدق من قال أن “العقوبة التي يطول انتظارها تصبح أكثر فظاعة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube