حيمري البشير

 صحيفة التاتس الالمانية تحكي عن موت في شاحنة القمامة

في مدينة تعج بالأسرار والجروح الخفية، وقعت حادثة مأساوية ترويها صحيفة “التاتس” الألمانية.  في ليل برلين، حيث تلتقي الظلال مع الألم، انتهت حياة رجل مشرد في حاوية للورق المستعمل بشكل مأساوي. هذا الحادث، الذي وقع أثناء عملية تفريغ الحاوية، يفتح بابًا على حياة مشردين مجهولين وقسوة الشوارع التي لا ترحم.

وسط فناء مجمع سكني، كان هناك قبر صغير وأضواء خافتة تضيء زهرة وحيدة، يكاد يمر عليها المارة دون أن تثير انتباههم. تلك الزهرة ليست مجرد نبات، بل هي ذكرى لرجلٍ كان يعيش بيننا، ولكن لا أحد يعرفه إلا عبر تلك اللحظة المأساوية. كان في الثالثة والثلاثين من عمره، ويُعتقد أنه كان مشردًا. قضى ليلته الأخيرة في حاوية نفايات ورقية في ساحة شارع روزن، في قلب برلين.

في صباح يوم الإثنين الماضي، وبينما كانت الساعة تقترب من السادسة أو السابعة صباحًا، وصلت شاحنة لجمع النفايات إلى المنطقة. كان العمال يقومون بتفريغ الحاوية المعدنية التي تزن 4.5 طن، ولكن فجأة، تعالت صرخات مدوية كانت بمثابة نذير شؤم. حاول رجال الإطفاء إنقاذ الرجل، لكنهم وصلوا إليه وهو جثة هامدة.

أولريش نويغباور، مؤسس حافلات نقل المشردين، يعمل في مجال مساعدة المشردين منذ أكثر من 30 عامًا. يصف فصل الشتاء في برلين بأنه قاسٍ، حيث تزداد معاناة المشردين الذين يبحثون عن مأوى وسط البرد القارس. ويضيف أنه رغم قسوة الحياة في الشوارع، لم يشهد حادثًا مأساويًا بهذا الشكل، “موت في حاوية القمامة”، كما يصفه. ورغم أنه في ليلة الحادث، كانت الحافلة الخاصة بنقل المشردين تقوم بمساعدة امرأة مشردة في نفس الشارع، إلا أن أحدًا لم يكن يعلم بوجود هذا الرجل في حاوية الورق المستعمل القريبة.

وفقًا لنويغباور، يعيش في برلين حوالي 6000 مشرد، بينما توفر المدينة حوالي 1200 مكان للنوم في ملاجئ الطوارئ. وعلى الرغم من أن هذه الملاجئ كانت ممتلئة بنسبة 95 في المائة في ليلة الحادث، فإنه يحذر من إلقاء اللوم على نقص أماكن النوم إذ يفضل العديد من المشردين البقاء في الشوارع على اللجوء إلى الملاجئ، التي يعتقدون أنها غير مريحة.

تتحدث بعض الشائعات عن أن الرجل الذي لقي حتفه هو من بولندا، ولكن لم يتم تأكيد ذلك رسميًا. فيليب مونينجر، من منظمة “جانغواي” التي تقدم الدعم للمشردين، يشير إلى أن العديد من المشردين من أوروبا الشرقية يعيشون خارج نطاق المساعدات الحكومية.

كان شارع روزن، حيث وقع الحادث، مسرحًا لتاريخ مظلم من نضال النساء في عام 1943، عندما قاتلن لإطلاق سراح أزواجهن اليهود الذين اعتقلتهم أجهزة المخابرات النازية. ومن هنا، يصبح الحادث بمثابة حلقة جديدة من المعاناة في هذا المكان التاريخي، الذي يجمع بين الألم الماضي وآلام الحاضر.

من جهته، يقترح أحد الطباخين في المنطقة ضرورة إغلاق حاويات القمامة لمنع تكرار هذا النوع من الحوادث المأساوية. “كان حادثًا مروعًا، خاصة وأن هذا الرجل كان شابًا في عمر 33 عامًا”، يقول أحدهم، مشيرًا إلى أن هذا الشاب كان أمامه 40 عامًا من الحياة التي أُجهضت بطريقة غير إنسانية.

في أماكن أخرى، مثل إنجلترا، بدأ المشردون ينامون بشكل متزايد في حاويات النفايات، كما أفادت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC). وتشير تقارير أخرى إلى أن العديد من المشردين حول العالم قد لقوا حتفهم أثناء تفريغ حاويات القمامة في الشاحنات. وتُظهر تلك الحوادث المأساوية كيف يمكن أن يصبح المكان الذي يُفترض أن يكون مهملًا ملاذًا لمن لا مأوى لهم.

يرى أولريش نويغباور أن الحلول قد تكون بسيطة، مثل فتح غطاء الحاوية قبل تفريغها في المستقبل. لكنه لا يوجه اللوم إلى أحد، بل يرى أن المسألة تتطلب مزيدًا من التفكير في طرق حماية المشردين وتحسين ظروف حياتهم في الشوارع.

بينما يتواصل الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة في شوارع برلين، تظل الحكايات مثل هذه تذكرنا بمدى قسوة العالم الذي يعيش فيه المشردون. قصة الرجل الذي لقي حتفه في حاوية القمامة هي ليست مجرد حادث، بل هي جرح عميق في قلب المدينة، وفي وعي كل من يمر بجانبها، دون أن يلاحظ الألم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID