شخصيات

الحق في الحياة بين الضمانات السياسية والتضامن الحقوقي

ذ مصطفى المنوزي

أثار صديق فيسبوكي بجرأة غير معهودة حادثة تتعلق بتجربة أحد الصحفيين المرموقين الذي غير دفاعه وحصل على السراح المؤقت ، فقلت له ربما خانك التعبير ، فلم يكن سبب تغييره للدفاع هو الابتزاز والاسترزاق ، لأن إختيار المتابع لطريقة الدفاع او تسوية الملف لها أثر خاص باعتبارها مرتبطة بتفاوض في صيغة طلب سراح ، ومع ذلك فملف هذا الصحافي المرموق لا زال عالقا كما هو حاصل في كثير من الملفات ، وإن كان تغيير فريق الدفاع البديل لم يتجاوز ” مكسب ” التمتيع بالسراح الذي يظل مؤقتا في جميع الحالات . ليظل المتابع رهينا حرا . لذلك أؤكد ، لأن المناسبة شرط ، أنني دائما أنصح الذين يؤمنون (بالمطلق واليقيني ) بأن الهيأة القضائية( غير محايدة ) كلما تعلق الأمر بملف معين ومحدد بذاته وسياقه بأن يتجهوا إلى البحث عن تسوية هامش- قضائية ، وفق وحسب ما يوفره السياق السياسي والهامش الزمني من إمكانية لتدبير أي تفاوض أو تسوية ممكنة . رغم أن- و للأسف – بعض المتابعين غير منتمين ويعدمون الوساطة المفترضة ، بل يرفضونها، وهذا من صميم حقهم وحريتهم ، وليتحمل كل واحد مسؤوليته ، لأن الاقتناع المبدئي منفصل عن الفعل السياسي وبالأحرى عن عملية تسييس أي ” اعتقال ” واعتباره حاصل كضريبة للإختيار ؛ وبالنسبة للتجربة الوطنية والشخصية ، ورغم انه لا تماثل بين الحالات والأشخاص والإرادات ؛ فبمجرد اعتقالنا وحلال مراحل التحقيق والمحاكمة ،و ما بعد صدور الأحكام ابتدائيا ورفعها استئنافيا ، جنحنا إلى التخطيط لكيفية تدبير الحياة السجنية والدراسية ، وخرجنا وفي جعبتنا نجاحات وشهادات جامعية ، خولتنا امكانية الاشتغال باستقلالية وكرامة ؛ وبالتالي لم يكن لنا خيار مؤسس على أي رهان ، ناهيك عن الظرفية التي كانت لا تسمح بأي انفراج ، فالهدف من اعتقالنا كان هو حينها إخلاء الجامعات منا نحن ” الحداثيين والتقدميين ” ومن كل الطيف اليساري والديمقراطي ، لكي يحتكر المحافظون ( الإسلاميون ) المعاهد العليا والكليات الحضور و” النضال الطلابي الدعوي ” في أفق الاستيلاء على الأجهزة التمثيلية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب .
من هنا وجب القول أنه لاعيب في نهج التسويات بالنسبة لمن استطاع لذلك وسيلة ، علما أن الخلل ليس في مسلك الصمود والمقاومة ؛ وإنما الخلل في حجم الثمن المقابل .
والخلاصة من الرسالة أنه لا يعقل أن تكون كلفة ( الخلاص من القضية أو من وقعها ) مساوية أو أعظم من الحق في الحياة ، وللتذكير فالصمود سياسي وموضوعي ولم يكن أبدا ذاتيا وإرادويا ، مما يعني أن موجبات التضامن الحقوقي تنافسها ( نديا) اشتراطات الضمانات السياسية .
ولأن المناسبة شرط ، فإن إقدام السلطة العمومية في شخص الإدارة الوصية على تدبير قطاع السجون ونحت إشراف النيابة العامة وبحضور تشاركي للمؤسسات الوطنية والهيئات الحقوقية ذات الصلة ، إقدامها على وضع دليل لتدبير أشكال التعبير والاحتجاج داخل السجون ، يستحق من حيث المبدأ كل التثمين مادامت الغاية النبيلة المفترضة في إطار حسن النية ببعد إنساني يروم ترجيح الحق في الحياة ، تقديسا ، على كافة الحقوق الأخرى موضوع او سبب معركة الإضراب عن الطعام ، غير أنه وقبل تخصيص مقالة خاصة لدراسة الدليل من جميع جوانبه الحقوقية والقانونية والصحية ، لأن الأمر لا يتطلب فقط مجرد انطباعات انفعالية في سياق مجرد حقيقة إعلامية ، وإنما تفاعل بمقومات وأدوات معرفية أي تمحيص وبحث بالمعنى الأكاديمي والعلمي الشامل والموضوعي ؛ في انتظار لابد من الحرص على وضع الدليل تحت مجهر الرقابة الدستورية ، واستنادا إلى قاعدة عدم التعسف في تشريع المقتضيات باسم الواجب ، والذي تقابله قاعدة عدم التعسف في استعمال الحق ، لأن حكمة المشرع ينبغي ان تحقق العدالة والإنصاف تفاديا لأي شطط في استعمال السلطة او القوة ولو كانت مشروعة . وما يهمنا في آخر التحليل هو ضمان تحقيق التناسب فيما بين الحق في الإضراب عن الطعام او الاحتجاج وبين المطالب او الحقوق المتطلب تحقيقها ، وكلما كان القرار تشاوريا بمقاربة قانونية وحقوقية ، أكثر منها سياسية ، تحققت الرسالة المنشودة بأقل كلفة ممكنة ، وما أغلى الحياة وما أقدس الحق في حمايتها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube