سياسةمستجدات

خديجة صبار تضع تدبير الشأن المحلي في قفص الإدانة

أحمد رباص – حرة بريس

في تقديمه لمؤلف الأستاذة خديجة صبار التي اختارت له كعنوان ” إدانة تدبير الشأن المحلي في المغرب :تجربة مستشارة”، أشار محمد الأسعد، الأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك- الدار البيضاء، إلى أن هذا الكتاب يستمد قيمته من ثلاث مرجعيات أساسية. تتمثل المرجعية الأولى في الالتزام السياسي للمؤلفة التي تكشف عن انتمائها لحزب المهدي بنبركة في أكثر من موضع. وهذا يعني، في نظر كاتب التقديم، وجود ثقافة سياسية تؤطر تصور الأخت خديجة أثناء اتخاذ مواقف معرفية محددة. في حين، ترتبط المرجعية الثانية بالوضع المهني للكاتبة بوصفها أستاذة، الشيء الذي يستدعي إلى الأذهان إلإضافة النوعية لمشاركة النخبة في تسيير الشأن المحلي. أما المرجعية الثالثة فيجسدها المنظور النسوي الذي من خلاله تم التطرق لهذه التجربة التي انطلقت بمجرد أن وضع سكان حي المسجد بسيدي معروف ثقتهم في مترشحتهم بمناسبة انتخابات 13- 06- 1997.
هذا، وقد أبرزت الأستاذة في مختبر المغرب والعوالم الغربية، في معرض حديثها عن تجربتها السياسية، الصعوبات والعوائق التي مازالت تعترض عمل المرأة في هذا المجال. صدر هذا الكتاب عن دار النشر “أفريقيا الشرق” سنة 2005. يضم بين دفتيه 136 صفحة من القطع المتوسط. ليس هذا الإصدار وحيدا ولن يكون أخيرا في ربرتوار الأستاذة المثقفة، بل جاء بعد أربعة كتب صدرت لها عن نفس دار النشر وهي على التوالي: الإسلام والمرأة – واقع وآفاق (1992)، الإسلام والحجاب بين عصر الحريم وتحديات الحضارة (1994)، الإسلام والمرأة (1998)، المرأة بين الميثولوجيا والحداثة (2000).
يتكون الكتاب موضوع حديثنا من مدخل وسبعة فصول. ففي المدخل الذي احتل حيزا من 14 صفحة تتأمل الكاتبة تجربتها كمستشارة جماعية طيلة المدة المحصورة بين 1997 و2003 مشيرة إلى أن إنجاز هذه المهمة يتطلب التحلي بفضائل الجرأة والصدق والنزاهة، وذلك من أجل “كشف التناقضات التي تقف حجرة عثرة أمام تطور الشأن العام المحلي”. في هذا السياق، تأتي الكاتبة على ذكر بعض الأسباب التي تولدت عنها تلك التناقضات وزادت من حدتها وفي مقدمها الوصاية المركزية والإقليمية والوصاية التقنية المرتبطة بمجالات تنموية حيوية كالتعمير وسياسة التجهيز والإعداد الحضري، كما ينضاف إلى ذلك ضعف روح المسؤولية وغياب النظرة الشمولية للشأن المحلي والتركيبة الفسيفسائية للمجالس الجماعية، ناهيك عن انتهازية معظم المستشارين الحريصين على تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة للسكان التي على أساسها جرى انتخابهم.
في معرض حديثها عن الصعوبات التي اعترضتها وهي تحاول نقل تجربتها الميدانية، أثارت الكاتبة مفارقة منهجية تتمثل في التنافر الملموس بين الشأن العام المحلي كمفهوم” فضفاض، متشعب الأبعاد، حاد الزوايا، يمتد تاريخه إلى أول تجربة انتخابية بالمغرب” وباعتباره “لا يكف لحظة عن التدفق، ويصعب حصره في قالب أو صيغة لأنه مضطرب ومنساب باستمرار” وبين الكتابة عن التجربة في صيغة ثابتة قوامها الاختزال.
خصصت المؤلفة الفصل الأول لإرهاصات وبدايات الشأن المحلي حيث شددت على أنها تعود إلى العهد القبلي. لكن رغم الشكل المؤسسي الذي اتخذته ممارسة القبائل المغربية في مجال تدبير شؤونها، إلا أن ذلك لم يتم في إطار ديمقراطي بسبب هيمنة الأعيان وعدم توظيف الآليات والإجراءات الانتخابية. و لم تبدأ فعلا تباشير التدبير المحلي بمفهومه المعاصر إلا تزامنا مع دخول الاستعمار الفرنسي إلى بلادنا حيث جرى تقسيم المجال الوطني إلى وحدات ترابية بإيعاز من الهاجس الأمني. في هذا الإطار التاريخي، تم التذكير بأول تجربة لتدبير الشأن المحلي شهدها المغرب في فجر الاستقلال، إلا أنها أجهضت في مهدها؛ الأمر الذي حرم البلاد من إمكان الاستفادة من تراكم تجارب تسيير الشأن المحلي بالنيابة عن السكان خلال مدة زمنية تقارب ربع القرن.
ومن أجل تجاوز فترة العطالة الديمقراطية – تقول الأستاذة صبار – تم الشروع في إرساء دعائم مسلسل الديمقراطية المحلية منذ سنة 1976، وذلك ضمن مناخ دولي اتسم بسيادة مبادئ الديمقراطية وانتشار ثقافة حقوق الإنسان. وهكذا رأى الميثاق الجماعي النور سنة 1976 وجرى تعديله وتحيينه سنة 2002 ، بالإضافة إلى مدونة الانتخابات وترسانة من القوانين ذات الصلة. لكن رغم هذه الإصلاحات المؤشرة على عزم المغرب الانخراط في المسلسل الديمقراطي، تلاحظ الكاتبة أن هذه التجربة شابتها عدة عيوب ونقائص لعل أفظعها تفاقم الفساد في تدبير الشأن المحلي، علاوة على ضعف الثقافة السياسية لدى المنتخبين المحليين المنتدبين من طرف الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات.
في الفصل الثاني الخاص بعرض سياق التجربة، أفاضت الكاتبة الحديث عن مؤثرات العولمة وتجاوب المغرب معها على كافة المستويات في اتجاه “وضع القواعد الداعمة للاستقرار والاستمرار والمشروعية الدستورية والسياسية والاجتماعية لبناء مجتمع حر ديمقراطي وإقرار دولة الحق والقانون”. إلا أن الإصلاحات المصاحبة لهذه الإرادة أنجزت “على أرضية تعاني من فداحة الألغام التي غرست على مدى عقود وتفاقمت في ظل أم الوزارات وراكم عقلها المدبر من تجارب التدرج الوظيفي ما مكنه من زرع قيم جديدة بنيت على عقيدة المنفعة والذات المغالية في الفردية والمادية والانتفاع وتعظيم المصالح المادية الفردية من رشوة وتلاعب ووساطة وسرقة ونفاق وتدني الإنتاج في حقبة زمنية استنطالت له دون سواه، وألقت بظلالها على المشهد السياسي برمته والذي عانى من وطأة الهاجس الأمني المغيب للهاجس التنموي، ومن تطويع المواطن عبر عنف الخطاب والتأديب لحشر الأنصار، ونهج سياسة الاحتواء وخلق إقطاعيات الارتزاق والمتاجرة بالحياة السياسية وإبراز طبقة الوصوليين عبر مجالس جماعية مبلقنة، اتخذت من مسؤولية تمثيلية المواطن طريقا للاستثمار ومطية للثراء الفاحش، وتحول رؤساء الجماعات وسدنتهم من موظفين صغار إلى مالكين كبار، ووضع قوة الدولة في خدمة من خربوا اقتصاد الوطن واستباحوا المال العام.”
في الفصل الثالث، تؤكد خديجة صبار على أحد مظاهر تعثر التدبير المحلي وهو انتشار السكن العشوائي، معززة رأيها بأمثلة من مدينة الدار البيضاء. في هذا المضمار، أرجعت الكاتبة أسباب هذه الظاهرة إلى رغبة النخبة السياسية في استغلال أحزمة البؤس كمصدر احتياطي من الأصوات، الشيء الذي أفقد غالبية المنتخبين المحليين مصداقية تمثيل سكان الأحياء العشوائية ومشروعية الدفاع عن المصلحة العامة.
أما في الفصل الرابع فقد أبرزت المؤلفة الخلل الحاصل في تدبير المجال في علاقته بالشأن المحلي ويبدو ذلك بوضوح من خلال سوء التسيير وتضارب الاختصاصات وتشتت المسؤوليات. إن ما يشهد على هذا الخلل – تقول الكاتبة في الفصل الخامس- هو تعطل مشاريع التنمية. وأثناء تناولها لعلاقة المنتخب بالناخبين تشير خديجة صبار إلى أنها (العلاقة) مبنية على النظر إلى الطرف الأول باعتباره الذاتي والشخصي دون أدنى اعتبار لانتمائه السياسي وبرنامجه الحزبي. هذا الخلل الذي يعتور العلاقة بين الناخب والمنتخب ترجعه الكاتبة إلى ما يعرفه المسلسل الانتخابي من فساد تجسد في شراء الذمم بالمال الحرام، خاصة وان الناخب استدرج لهذا السلوك اللاديمقراطي من قبل سماسرة الانتخابات الذين لا هم لهم سوى مصالحهم الذاتية الضيقة.
في نهاية مؤلفها القيم، أفردت الأستاذة صبار حيزا لا يستهان به لعلاقة المرأة بالشأن المحلي حيث لاحظت أن المشاركة النسائية في الاستحقاقات الديمقراطية ما زالت دون المستوى المتوخى، دليلها على ذلك قلة عدد النساء المنتخبات إذا ما قورن بعدد المنتخبين الذكور. والواقع أن في الأمر مفارقة عصية على الاستيعاب خصوصا في ظل الوعي بالدور الفعال الذي تقوم به المرأة في بناء المجتمع ومهارتها في مجال حسن التدبير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube