بعد عشرة أيام من حراك حركة “زاد”مدخل عام

دخلت حركة “زاد” الشبابية يومها العاشر من الاحتجاجات المتواصلة، لتؤكد أن الأمر لم يعد مجرد وقفات شبابية عابرة، بل تحول إلى تعبير اجتماعي عميق عن أزمة الثقة بين الشارع المغربي ومؤسساته التنفيذية. الحراك، برغم سلميته في غالب المحطات، يعكس حجم التراكمات والانتظارات، خصوصًا مع غياب أي استجابة جدية من طرف الحكومة لمطالب واضحة وبسيطة، في مقدمتها الحق في الصحة والتعليم والشغل والكرامة.الحكومة والفرصة الضائعةطيلة الأيام الماضية، تمسكت الحكومة بخطاب متعالي، حاول التقليل من حجم الاحتجاجات، بل وذهبت بعض مكوناتها إلى إصدار إشارات مستفزة. الأدهى أن مطلب الاستقالة، الذي بات يُشكل عند جزء واسع من الشباب والمواطنين عنوانًا لفتح أفق جديد، قوبل بصمت رسمي أو بتصريحات أقل ما يُقال عنها إنها سيئة الإخراج.تصريحات وزير العدل بخصوص العفو الملكي واعتباره مجرد “شغلو هاداك” – وإن كانت قد صدرت قبل شهور – ما زالت حاضرة في الذاكرة الجماعية للمغاربة، لأنها اختزلت طريقة تعامل جزء من المسؤولين مع مؤسسة يُجمع المغاربة على احترامها. وزاد الأمر خطورة حين أطلق الوزير تصريحًا آخر مفاده أن إقالة الحكومة ليست من صلاحيات الملك، وهو كلام ينطوي على رسالة مبطنة غير لائقة، تُقرأ كقلة حياء سياسية تجاه المؤسسة الملكية، خصوصًا في ظرفية دقيقة يترقب فيها الشعب خطابًا ملكيًا مصيريًا.الاحتجاجات وكلفة الاعتقالاتإلى جانب ذلك، فإن استمرار الاعتقالات المرتبطة بالحراك الشبابي يزيد من تعقيد الوضع ويُثقل كاهل المغرب بكلفة حقوقية كبيرة. فالمزيد من الاعتقالات يعني المزيد من الضغط على صورة المغرب في المحافل الدولية، ويطرح أسئلة جدية حول احترام الحق في التظاهر السلمي وضمانات المحاكمة العادلة، في وقت كان من الأجدر أن تنفتح الحكومة على المطالب وتبحث عن حلول سياسية واجتماعية بدل المقاربة الأمنية وحدها.الإعلام العمومي وتحول اللحظةمن بين الملاحظات البارزة خلال هذا الحراك، التحول النسبي في الخط التحريري لقنوات القطب العمومي، التي بدأت تفتح هوامش أكبر لتغطية الاحتجاجات والاهتمام بالشباب والقضايا السياسية والحقوقية. غير أن هذا الانفتاح، الذي يصفه كثيرون بـ”المؤقت”، يظل مرتبطًا بالأحداث الراهنة فقط، بينما عانت هذه القنوات لسنوات من هيمنة التفاهة والمسلسلات الأجنبية على غالبية برامجها، وإقصاء النقاش السياسي الجاد والهم الحقوقي. إن الإعلام العمومي، إذا أراد استعادة ثقة الشباب والمواطنين، يحتاج إلى إصلاح عميق يربط وجوده بخدمة المصلحة العامة لا بمجرد التكيف اللحظي مع الأزمات.الانتظارات الكبرى من الخطاب الملكيالجمعة المقبل سيكون المغاربة على موعد مع خطاب ملكي ينتظره الجميع بكثير من الأمل والقلق. الرهان الشعبي اليوم هو أن يُشكل هذا الخطاب منعطفًا حقيقيًا في مسار العلاقة بين الدولة والمجتمع، عبر:إجراءات ملموسة من قبيل إقالة الحكومة أو الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.التذكير بأن المطالبة بتغيير باقي المؤسسات الدستورية يظل سابقة لأوانها، وأن الأولوية هي إعادة الثقة عبر إصلاح سياسي عاجل.إعادة الاعتبار لمطالب الشباب، التي لم تعد قابلة للتسويف أو التجاهل.تأكيد مركزية المؤسسة الملكية كضامن للاستقرار وللاستجابة لمطالب الشارع.محاسبة الحكومة على فشلها في احتواء الوضع وتدبير المرحلة بحكمة ومسؤولية.المجلس الوطني لحقوق الإنسان: حاجة للتجديدفي هذه الظرفية، يبرز دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان كفاعل مؤسساتي معني بمتابعة الانتهاكات والتجاوب مع الشكايات. غير أن أدائه الحالي لا يرقى لتطلعات الشارع، إذ يُنظر إليه في الغالب كمؤسسة وُجهت أساسًا للاستهلاك الخارجي. المطلوب اليوم هو تحديث آليات عمل المجلس بالتركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتقوية أدواره في التظلم والوساطة، حتى يكون قريبًا من المواطنين وفاعلًا في تخفيف التوترات بدل الاكتفاء بالتقارير الشكلية.قراءة ختاميةحراك “زاد” بعد عشرة أيام بات يشكّل جرس إنذار مجتمعي، ليس فقط بسبب طابعه الاحتجاجي، ولكن لأنه جاء من شباب وُلد ونشأ في ظل دستور 2011، شباب لم يعد يؤمن بالخطابات المكررة ولا بالوعود الفضفاضة. إن تجاهل الحكومة لمطالب المحتجين، بل وإصرار بعض وزرائها على إطلاق تصريحات غير مسؤولة، قد يفتح الباب أمام أزمة سياسية أعمق.وعليه، فإن الخطاب الملكي المرتقب مطالب بأن يُعيد الأمل للمغاربة، ويؤكد أن الدولة تنصت لنبض الشارع، وأن المؤسسة الملكية تبقى الملاذ الأخير حين تُغلق الحكومة أبوابها أمام المواطنين.




