رسائلمستجدات

رسالة مفتوحة إلى الدولة ومؤسسات الحكامة والوساطة العموميةالموضوع: من أجل ترسيخ الإنصاف التوقعي كأفق للعدالة والديمقراطية التشاركية

تحية احترام وتقدير،

إن تجربة المغرب في مجال العدالة الانتقالية، وما رافقها من محطات تأسيسية على رأسها هيئة الإنصاف والمصالحة، تمثل لحظة مفصلية في تاريخ الدولة والمجتمع. غير أن هذه اللحظة، رغم أهميتها، لم تتحول بعد إلى ثقافة مؤسساتية واجتماعية مستدامة، تضمن استمرارية روح الاعتراف، وتعزز الثقة بين المواطن والدولة.ولذلك، فإننا نتوجه إليكم بهذه الرسالة المفتوحة التي تنطلق من قناعة راسخة بأن الإنصاف التوقعي يشكل اليوم أفقًا جديدًا للعدالة في زمن التحولات الحقوقية والديمقراطية.أولًا: الإنصاف التوقعي كضرورة وطنيةالإنصاف التوقعي ليس مجرد تعويض عن ضرر سابق، بل هو إعادة هندسة العلاقة بين المواطن والمؤسسة، وبين الذاكرة والسلطة.إنه يربط الماضي بالمستقبل عبر الاعتراف بالمعاناة، وحماية الذاكرة، وضمان عدم التكرار، بما يؤسس لعدالة أكثر إنسانية وشمولية.ثانيًا: الإنصاف والاعتراف كتوأمين للعدالة الانتقاليةلا معنى للإنصاف دون اعتراف صريح ومسؤول من طرف الدولة بماضي الانتهاكات.الاعتراف يجب أن يتحول من مجرد خطاب رمزي إلى ممارسة سياسية ومؤسساتية تؤسس لعقد اجتماعي جديد قوامه الثقة المتبادلة.ثالثًا: نحو عدالة رمزية وسرديةالمطلوب اليوم هو تجاوز السرديات الأمنية المهيمنة، التي غالبًا ما تبرر العنف وتعيد إنتاج التهميش.الإنصاف ينبغي أن يقوم على إعادة الاعتبار للأصوات المهمشة وتجارب العيش اليومي، أي على توزيع رمزي جديد للكرامة والاعتراف.رابعًا: دور مؤسسات الحكامة والوساطةإن مؤسسات الوساطة والنزاهة والحكامة مطالبة بالانتقال من أدوار تقنية إلى أدوار استباقية، عبر:

1. مأسسة الوساطة كجسر ثقة بين الدولة والمجتمع.

2. إرساء آليات استشارية تشاركية تُتيح للمواطنين المساهمة في صياغة وتتبع السياسات.

3. تعزيز العدالة المجالية والاجتماعية لضمان الإدماج الفعلي للفئات الهشة والمهمشة.

4. مواكبة تنفيذ السياسات العمومية بمنطق التقييم والمساءلة الأفقية.

خامسًا: من جبر الضرر إلى ضمير الذاكرة الإنصاف التوقعي ينبغي أن يشمل ليس الأفراد فقط، بل أيضًا المجالات المتضررة ثقافيًا ورمزيًا.المطلوب إطلاق دينامية وطنية لـــ”ضمير الذاكرة” تجعل من الماضي رصيدًا للإبداع المؤسسي والاجتماعي، لا مصدرًا للانقسام أو التنازع.

النداء

إن استكمال ورش العدالة الانتقالية يمر اليوم عبر دمج التفكير النقدي التوقعي في السياسات العمومية، بما يضمن تحويل ذاكرة الألم إلى قوة بنّاءة، ويؤسس لدولة قادرة على التصالح مع نفسها ومع مواطنيها.وعليه، فإننا ندعو الدولة ومؤسسات الحكامة والوساطة إلى:تبنّي الإنصاف التوقعي كمرجعية في التخطيط العمومي.تفعيل تلازمية الإنصاف والاعتراف كشرط لتحقيق مصالحة فعلية.جعل الوساطة المؤسساتية ضميرًا استباقيًا للمجتمع السياسي، يؤطر العلاقة بين السلطة والمواطنين على أسس المشاركة والمسؤولية المشتركة.إن مستقبل العدالة في المغرب لا يُقاس فقط بما أُنجز من جبر للأضرار، بل بما يُبنى من ثقة جماعية ومعنى مشترك، وهو ما يشكّل جوهر الإنصاف التوقعي كأفق لمغرب عادل، ديمقراطي، ومتصالح مع ذاكرته.وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام.

الإمضاء:مصطفى المنوزي

محامٍ وفاعل حقوقي

الرئيس السابق للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID